
فاتن الزعويلي تكتب: حديث الوشق
أصبح حديثا للمصريين والعرب والإسرائيليين في آن واحد وقفز فجأة ليصبح أحد أهم الترندات على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح بطلا شعبياً تنافس حكاياته قصص أبوزيد الهلالي وحكايات ألف ليلة وليلة.
تحت شمس الحدود المصرية التي لا تعرف الرحمة، كان الوشق المصري مستلقياً تحت شجرة وكأنه حاكم المكان بلا منازع.
فراؤه الكريمي الموشى ببقع تربكك بين الكمال والثقة وعيونه الحادة التي تبعث برسالة واضحة: «أنا هنا البطل».. اقتربت منه بحذر، فالاقتراب من سيد الغموض ليس بالأمر العابر.
«يا وشق، بيقولوا إنك كنت في خدمة الفراعنة أيام المعابد، صحيح الكلام ده ولا أسطورة زي باقي الحكايات؟»
انتفض الوشق بفخر، مشيراً بذيله بحركة واثقة، وقال:
«أسطورة؟! يا بني آدمة، لو كانوا الفراعنة عايشين كان زمانهم بعتوا لي تمثال تاني. أنا كنت واقف برّاكب بوابة المعابد، اللي يقرب بنظرة متطفلة… كان يعدّي ومرحب بيه بس العين عليه من بعيد».
لم أستطع منع نفسي من الضحك الخفيف.. لكن سرعان ما تذكرت القصة التي جعلت منه موضوع الساعة:
«طيب اسمعني، مهاجمتك للجنود الإسرائيليين على الحدود دي شوفتها بطولة مش متوقعة. إيه السر ورا الموقف ده؟».
ضحك الوشق ضحكة ملتوية:
«بصراحة؟ مش بطولة زي ما الناس متخيّلة! أنا كنت ماشي عادي بدوّر على فريسة. لقيت شوية بشر واقفين بركن بيفردوا خيمة كأنهم بيعملوا حفلة… قلت لنفسي يمكن حد جايب لانش بوكس!».
ابتسمت باندهاش:
«يعني الخطة كانت مجرد بحث عن عشا؟»
مال الوشق برأسه وكأنه يتأمل نجوم خبرته العريقة:
«الخطة؟ أنا مش بعمل خطط.. اللي بيقف في طريقي ويتجاوز حدودي لازم يتعلّم الدرس. لكن بصراحة، ما أظنش إني فكّرت وقتها أكتر من معدتي».

استطردت قائلة له بنبرة ماكرة:
«بس بلاش تتواضع كده، الناس بتعتبرك المدافع الحقيقي عن أمن البلد».
اعتدل الوشق بثقة وأضاف بجملة نهائية محكمة:
«مفيش حاجة اسمها تواضع لما تيجي للواجب. أنا هنا عشان أسيب بصمة ما ينسوهاش… وبالمرة أستمتع بأكلي جنب كل الشجر اللي حافظ عليه».
ثم عاد وأجاب الوشق بجدية:
«شوفي، هو الموضوع مش مجرد شجاعة، دول بيدخلوا أرض مش أرضهم وبيأذوا ناس بريئة. أنا هنا عشان أقف وأقول لهم: كفاية كده!»
قلت له مازحة:
«يعني شايف نفسك المدافع عن الفلسطينيين؟»
استقام الوشق وقال بفخر:
«مش بس الفلسطينيين، أنا كمان بحمي مصر، دي مهمة مقدسة بالنسبة لي من أيام الفراعنة».
هززت رأسي وأضفت:
«مش غريب إنك لسه مستمر في دورك بعد كل السنين دي؟»
ضحك الوشق وقال:
«إحنا أسياد الزمن يا بني آدمة. والأهم من الزمن هو الواجب. وطالما فيه ظلم، أنا هنا عشان أواجهه».
تركته وأنا مستمتعة بالمقابلة، يدور في ذهني كيف لهذا الكائن البري أن يحتفظ بروح الدعابة الممتزجة بلمسة أسطورية.. الوشق المصري، ليس مجرد حيوان يعيش في الصحراء؛ إنه حارس للأرض وروح لا تنحني أمام أي زمن أو تحدٍ.