- أهم الأخباراخترنا لكنون والقلم

سامي أبو العز يكتب: من يلم شتات العروبة؟!

في زمانٍ مضى، كانت فكرة «الوطن العربي» تستحضر وحدة الدم واللسان، وتوحي بقوة لا تُقهر، وشعب لا يُكسر. أما اليوم، فتكفي نظرة سريعة على الخارطة الجغرافية أو عناوين نشرات الأخبار لنرى صورة مغايرة، بل ومؤلمة: حدود ملتهبة، شعوب مشرّدة، حكومات متنازعة، وهوية تذوب في زوايا النسيان.

ما بين لاجئ على قوارب الموت، ونازح داخل وطنه، وسجين رأي بين قضبان القمع، يقف ملايين العرب على حافة الانكسار.

لم تعد القضايا القومية تجمع، بل أضحت تفرّق؛ من فلسطين إلى اليمن، من ليبيا إلى السودان، من العراق إلى سوريا، تكرّرت المأساة وتبدّلت الأسماء.

إن الخرائط السياسية التي رسمها الاستعمار في غفلة من الزمان، باتت اليوم جدراناً فولاذية تفصل بين أبناء العرق الواحد والدين الواحد، حتى صرنا نحتاج إلى تأشيرة لدخول أحضان بعضنا، ونواجه الترحيل إن زادت مدة الزيارة.

وإذا كانت الحدود نارًا تشتعل، فإن الإعلام المنقسم والولاءات الضيقة لا تقل خطورة. كأننا نسينا أن قوتنا في وحدتنا، وأن العروبة ليست شعاراً للمنصات، بل مسؤولية أخلاقية وتاريخية.

مؤلم أن تُمزّق الخريطة وتُضعف الهوية، لكن الأكثر إيلاماً أن نعتاد هذا التمزق ونتكيف معه.

هل كتب علينا أن نظل أمة ممزقة تتفرج على جراحها، أم ما زال فينا من ينهض ليقول: كفى؟

ماذا لو اتحد العرب؟

تخيّل فقط، ماذا لو اتحد العرب؟ نحن لا نتحدث عن حلم شاعري، بل عن معادلة واقعية مدعومة بالأرقام والتاريخ والجغرافيا.

أمة يبلغ عدد سكانها أكثر من 400 مليون نسمة، تملك من الثروات الطبيعية ما يجعلها في مصاف الدول العظمى: نفط الخليج، غاز الجزائر، قمح السودان، فسفات المغرب، عقول مصر وسوريا، وموقع استراتيجي يربط الشرق بالغرب. ما الذي ينقصنا لنكون رقماً صعباً على خريطة القرار العالمي؟

لو وظفت هذه الخيرات بوعي جماعي، ضمن مشروع نهضوي عربي حقيقي، لأمكن للعرب أن يكونوا قوة سياسية واقتصادية تضاهي التكتلات الكبرى.

حينها، لا تُفرض علينا الحلول، بل نشارك في صناعتها؛ لا نطلب الدعم، بل نقدّمه؛ لا ننتظر مواقف الآخرين، بل نبادر بها. اتحاد العرب ليس حلمًا مستحيلًا، بل هو مشروع مؤجل، يحتاج فقط إلى إرادة تتجاوز الخلافات المصطنعة، وتعيد الاعتبار لأولويات الشعوب لا أجندات الأنظمة.

الجيش المصري: عمود القوة العربية

وفي قلب هذا الحلم العربي، يقف الجيش المصري بوصفه أحد أعمدته الصلبة، بقوة بشرية مدرّبة، وخبرة قتالية متراكمة، وتسليح متطور يضعه في مقدمة الجيوش في المنطقة.

ليس سراً أن الجيش المصري هو الأكبر عربياً من حيث العدد، والأكثر توازناً من حيث القدرات، والأعمق تاريخاً في ميادين الحرب والدفاع عن الأرض والكرامة.

تفوّق الجيش المصري لا يقتصر على العتاد، بل يشمل عقيدة وطنية راسخة تجعله جيش الشعب لا السلطة، وجيش الأمة لا الفئة.

لو توحّدت الجهود، وكان لمصر دور مركزي في بناء منظومة دفاع عربي مشترك، لأمكن للعرب أن يشكلوا درعاً يصعب اختراقه، وصوتاً يُحسب له ألف حساب في معادلات الردع الإقليمي والدولي.

القوة العسكرية ليست غاية في ذاتها، لكنها ضرورة لحماية السلام، وصون الكرامة، والدفاع عن الحق في زمن تُفرض فيه القوة قبل القانون.

هل نملك الشجاعة لنبدأ؟

لقد آن لنا أن نعيد النظر في مفهومنا للعروبة. فالعروبة لا تعني التوحّد السياسي فحسب، بل تعني التضامن في وجه المأساة، والتكامل لا التنافس، والاعتراف بأن مصيرنا واحد مهما فرقتنا الأنظمة والحدود.

في لحظة كهذه، لا نحتاج إلى بيانات شجب جديدة، بل إلى يقظة ضمير، وإرادة عربية صادقة تعيد للإنسان العربي كرامته وللأرض العربية سيادتها.

فهل نملك الشجاعة لنبدأ؟ أم سنكتفي بالبكاء على الأطلال إلى أن تبتلعنا الرمال؟

samyalez@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى