نون والقلم

سامي أبو العز يكتب: آباء جهلة وأبناء غلاظ القلوب

أسس العلاقات الأسرية مبنية على الحب والود والتفاهم، بعيداً عن العصبية والتشنج، والسيطرة، وفرض الرأي، لأن لغة الرأي الواحد، وطريقة خطاب «أنا ربكم الأعلى، وسي السيد»، وغيرها من الطرق التقليدية التي نشأ عليها ربما بعض منا، أو على الأقل كل الجيل الذي تعدى الخمسينات، لم تعد مجدية، وللأسف الشديد خسائرها مدوية.

إذن المشكلة لماذا يضج الآباء من تصرفات الأبناء، ويئن الأبناء من جبروت وتسلط الآباء، الحكاية ببساطة أن كل منا يربي أولاده من خلال تجاربه التي مر بها، سواء من خلال تربيته وما تحفظه ذاكرته عن والديه أو من خلال احتكاكه بالحياة.. لكنها تبقى طريقة محفوفة بالمخاطر كونها مبنية على واقع ربما كان مشوها أو نتائج غير إيجابية.. أما معدومو الخبرة لسبب أو لآخر فإن علاقتهم بأولادهم تكون شبه منعدمة لأن الشارع والأصدقاء يقومون بدور الأب والأم، وفي هذه الحالة، يعطي الشارع خبرات سلبية ونتائج كارثية.

إننا جميعا متهمون لأننا نفتقد إلى الخبرة والمهنية في تربية أولادنا أو من نعول، ونتركهم يعتمدون على أنفسهم أو مصادرهم الخاصة لسلك طريق من وجهة نظرهم هو الأفضل لمتابعة الحياة.. فنجد أفراد الأسرة تحولوا إلى «كوكتيل أسري مشوه»، عجيب، طباعه غريبة، وتصرفاتهم مختلفة وميولهم بينها فجوات، هذا هادئ الطباع، وذاك عصبي، وثالث منطوٍ، والأب يشكو، والأم تصرخ، والفجوة تزيد وتزداد عمقا مع الأيام، نظرا لهذه الهوة السحيقة التي تتسع بصورة مزعجة، ويأتي يوم لا نعود نسمع سوى صدى أصواتنا التي تتلاشي شيئا فشيئا، وتتحول صلاة الرحم إلى حبر على ورق!!

الأب حولته الحياة الجافة إلى دينمو يواصل العمل طوال الليل والنهار ليضع القرش فوق الآخر لتوفير نفقات المنزل والدراسة والعلاج، وغيرها من فواتير قاسية ترسم على ملامح الوجه علامات الزمن وتحني الظهر، والأم سواء كانت عاملة أو ربة منزل فإن حياتها صراخ لا ينتهي، فلا شيء يعجبها فإنها تريد أن يكون أبنائها الأفضل والأكثر تحصيلاً دراسياً وأخلاقياً وديناً وتربيةً.

لكن تبقى الفجوة في العديد من الأسر، فالابن  ليس صديقا لأبيه، والبنت ليست أمها خزائن أسرارها، والبقية معروفة، وتمر السنوات ويصبح لكل من الأبناء شأنه، وتكبر المأساة وتتسع الفجوة، وتوهن خيوط صلة الرحم وتتباعد المسافات أكثر وأكثر.

يا سادة..  الأمر كارثي، ويهدد أجيالا كاملة.. آباء جهلة.. وأبناء غلاظ القلوب.. فالعديد من الآباء والأمهات يحتاجون إلى دورات تدريبية مكثفة في تربية الأبناء، والأبناء يحتاجون إلى برامج تعليمية في مفهوم الأسرة وصلة الرحم وكيفية احترام الوالدين.

والسؤال.. لماذا لا يخضع المقبلون على الزواج لدورات أسرية تضع عقولهم وأقدامهم على طريق الصواب؟. نحن نحتاج إلى إحياء مفهوم الأجداد «إن كبر ابنك خاوية» و« الأم سر بنتها» ، جمل بسيطة لكنها تلخص مأساة أجيال لا تربطها بالأب والأم سوى شهادة الميلاد.

نبضة قلب.. تجف أحبار العالم.. وتطوى كل الأوراق.. ويبقى في كتاب حبك ملايين الصفحات البيضاء.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى