- أهم الأخباراخترنا لكنون والقلم

سامي أبو العز يكتب: ملامح تقسيم جديدة للمنطقة 

هل تابعتم آخر صيحات القرن الحادي والعشرين؟ الرئيس الأمريكي يُعلن، بلا خجل، نيته تعيين جنرال أمريكي لحكم قطاع غزة، وكأننا في عام 1920 لا 2025، وكأن فلسطين ما زالت مستعمرة بريطانية لم تُنجز استقلالها بعد!

في مشهد مريب يعيد إنتاج التاريخ الاستعماري بصيغته العارية، وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام معلنًا – بكل ما أوتي من نَفَس إمبراطوري – أن غزة بحاجة إلى «إدارة قوية»، وأن جنرالاً أميركياً سيُكلّف «بإعادة النظام وبناء المؤسسات».

هذه ليست زلة لسان، بل عقيدة استعمارية صلبة تعيد إلى الأذهان صورة «المندوب السامي» البريطاني الذي حكم فلسطين ذات يوم تحت راية الانتداب.

من يقرأ هذا المشهد جيدًا يدرك أننا لا نعيش لحظة طارئة، بل نقطة تحول خطيرة في منطق التدخل الأجنبي، حيث يُعاد رسم حدود النفوذ بالقوة، ويُفرض «الوصي الدولي» من فوق دمار الشعوب.

وكأن السير هربرت صموئيل البريطاني يعود إلينا اليوم، لكن ببدلة أمريكية ولهجة أمريكية.

لم يكن إعلان ترامب معزولًا، فقد سبقته تصريحات جنرالات ومراكز أبحاث أمريكية تحذّر من «فراغ في غزة يجب ملؤه»، فيما أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن «البيت الأبيض يدرس إرسال شخصية عسكرية لها خبرة في العراق وأفغانستان»، ما يكشف النية الواضحة: لا دولة فلسطينية، لا استقلال، بل إدارة عسكرية مؤقتة بغطاء دولي، تمامًا كما حدث بعد سايكس بيكو.

تقرير صادر عن الأمم المتحدة في أبريل 2025 أكد أن 70% من مرافق غزة مدمّرة، فيما تمنع إسرائيل دخول المساعدات.

والآن، بعد أن أُحرقت الأرض، تأتي واشنطن لتمسك بالدفة، بزعم «الإنقاذ»! إنها جريمة مزدوجة: القصف أولاً، ثم الوصاية ثانيًا.

الأخطر من هذا التعيين هو العقلية التي تحكم ترامب وإدارته. فالرجل – الذي يُقدّم نفسه باعتباره زعيمًا عالميًا ضد «الفوضى» – لا يرى الشعوب إلا كقُصَّر بحاجة إلى وصاية.

هذا المنطق لا يهدد غزة وحدها، بل يفتح شهية واشنطن لتكرار السيناريو في سوريا، واليمن، وربما لبنان تحت ذرائع «أمنية» جاهزة على الرفّ.

نحن أمام مشروع توسعي جديد، بثوب قديم. مشروع يخلط بين المصالح الأمريكية والهيمنة الصهيونية، ويتعامل مع المنطقة كحديقة خلفية لجنرالات البنتاجون.

الخطر لم يعد فلسطينيًا فقط، بل كونيًا. والعالم – كل العالم – مطالب اليوم بأن يقف في وجه ترامب، الذي يريد أن يلعب دور هتلر العصر الحديث: يوزع الخرائط، يعيّن الحكام، ويقسم الشعوب بين صالحين ومخرّبين.

هذا الجنون السياسي لا يمكن مواجهته بالتمنيات، بل بتحالف عالمي أخلاقي وسياسي وشعبي يوقفه عند حده.

آن الأوان أن تقولها الشعوب العربية والعالم بأسره: لن تُحكم غزة مجددًا من الميناء… لا البريطاني، ولا الأمريكي.

samyalez@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى