
سامي أبو العز يكتب: قمة بغداد تختبر إرادة القادة
قمة بغداد التي تُعقد اليوم في العاصمة العراقية بغداد، تأتي في ظرف استثنائي يعكس التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة والعالم.
إنه مشهد متشابك تعيش فيه الدول العربية فترة حساسة تشير إلى انحسار تأثيرها في النظام الدولي، بينما تتفاقم الأزمات الداخلية وتتقدم على أي أولويات أخرى.
ما يُبرز هذه القمة ليس فقط انعقادها في بغداد، المدينة التي تحمل ثقلًا تاريخيًا وعانت طويلًا من الانقسامات والصراعات، بل اختيار توقيتها الذي يكتسي أهمية رمزية وسياسية.
الشارع العربي مليء بالتساؤلات حول جدوى هذه الاجتماعات، هل يمكن حقًا أن تطور الجامعة العربية من أدواتها لتتحول إلى منصة فعالة للعمل العربي المشترك؟ أم أن القمم ستظل حبيسة الطابع البروتوكولي دون أثر ملموس يُذكر؟
انعقاد القمة في بغداد يمثل رسالة رمزية قوية، تعبر عن عودة العراق إلى مركزه الطبيعي ضمن العالم العربي، وتمنح فرصة نادرة للعرب لإعادة صياغة نهجهم الجماعي. التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه اللحظة الرمزية إلى اختراقات سياسية واقتصادية حقيقية.
بالموازاة، لا يمكن تجاهل القيود التي تحد من تأثير المبادرات العربية، فالإجراءات الماضية أكدت أن التضارب في المصالح الوطنية بين الدول الأعضاء وضعف الثقة المتبادل يسهمان في فشل المحاولات للوصول إلى توافقات حاسمة. وربما يكون أكبر اختبار أمام قادة الدول في بغداد هو تجاوز هذا الجمود التاريخي والخروج بخطوات عملية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تُثار تساؤلات حادة بشأن طريقة استغلال الثروات العربية، وجاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنطقة الخليج، وجمعه ما يقرب من 4 تريليونات دولار من صفقات واستثمارات، لتثير جدلًا واسعًا حول غياب استراتيجيات عربية متماسكة للاستفادة من الموارد الهائلة لصالح شعوب المنطقة.
كيف يمكن إنفاق مثل تلك الثروات خارج المنطقة بينما تغرق الكثير من العواصم العربية في أزمات اقتصادية خانقة؟ ربما تكون القمة الحالية فرصة لا تعوض لوضع تصور واضح لاستثمار المال العربي في قضايا تخدم الإنسان والتنمية المستدامة.
لقد بلغت الأمة العربية من الضعف حدًا لم يعد خافيًا على أحد، لا في مواقفها السياسية، ولا في قدرتها على التأثير أو حتى حماية مصالحها. انقسم الجسد العربي إلى محاور متناحرة، وتشرذمت إرادته بين العواصم، حتى باتت القضايا المصيرية تُدار خارج حدود القرار العربي.
في الوقتٍ الذي تشتعل فيه الأزمات من فلسطين إلى السودان و سوريا و لبنان و اليمن و ليبيا، وتُفتت فيه الدول وتُستباح فيه السيادة، تقف الشعوب العربية متفرجة على واقع مرير، تُديره صفقات الخارج وتتغذى عليه الخلافات الداخلية.
لم تعد الأمة بحاجة إلى شعارات ولا مؤتمرات، بل إلى نهضة حقيقية تستعيد بها كرامتها ومكانتها. فهل تكون قمة بغداد بداية هذه الصحوة؟ أم محطة جديدة في طريق الانحدار؟
الشعوب العربية اليوم تطالب بإجابات واضحة لمشاكلها وقضاياها الكبرى؛ من النضال الفلسطيني إلى إنهاء النزيف الناتج عن الحروب الداخلية، ووضع حد للتدخلات الخارجية التي أضعفت الموقف العربي. هذه المطالب المجتمعية تجعل من المستحيل تجاهل ضرورة اتخاذ مواقف شجاعة ومبادرات عملية تعيد بناء الثقة بين القادة وشعوبهم.
السؤال المحوري هو: هل ستتمكن قمة بغداد من تقديم بداية جديدة للعالم العربي؟ الإجابة تعتمد على إرادة القادة وجديتهم في تنفيذ قرارات عملية تُترجم طموحات الأمة.
باختصار.. إذا نجحت القمة العربية في وضع جدول زمني وآليات متابعة واضحة للالتزامات المشتركة، فقد تكون بالفعل نقطة ساخنة في تاريخ القمم العربية. إلا أن فشلها في الخروج عن نمط الخطابات الإنشائية والرؤى البراقة دون تنفيذ، سيجعل منها مجرد اجتماع آخر يُضاف إلى الأرشيف العربي.
الوقت لم يعد يسمح بالمزيد من التردد أو الإخفاق، الشعب العربي يطالب بالعمل الجاد والنتائج الملموسة، فهل يسمع القادة نداءه؟