- أهم الأخباراخترنا لكنون والقلم

سامي أبو العز يكتب: قضية ياسين لا علاقة لها بالدين

في كل مجتمع، تظهر من حين لآخر قضايا إنسانية مؤلمة تهز الضمير العام، وتُثير تساؤلات كبرى عن العدل، والقصاص، والمصير. لكن حين تُحاول أطراف خبيثة استغلال تلك القضايا لتفتيت المجتمع، وتحويلها إلى وقود لفتنة طائفية، فإننا نكون أمام خطر أكبر من الجريمة نفسها: خطر تمزيق الوطن.

وما نشهده اليوم في قضية الطفل ياسين، الذي وقع ضحية جريمة بشعة في البحيرة، يعيد فتح هذا الملف المؤلم. ليس لأن القضية ما زالت أمام القضاء، بل لأن البعض يُحاول عمدًا إخراجها من سياقها، وتقديمها للرأي العام بلغة دينية خطيرة لا تمت للحقيقة بصلة.

لا تزال مأساة الطفل ياسين، ابن محافظة البحيرة، تهز مشاعر المصريين منذ وقوعها، والقضية محل نظر أمام القضاء منذ عام كامل، في مسار قانوني طبيعي ينتهي بإحقاق الحق وإقرار العدل.

غير أن ما يدعو للقلق هذه الأيام هو محاولات البعض ــ عمدًا أو جهلًا ــ تسييس القضية دينيًا، وجر الرأي العام إلى ساحة صراع طائفي لا علاقة له بجوهر الواقعة.

إننا في مصر ــ بحكم التاريخ والمصير المشترك ــ لا نُحاكم الأديان، بل نُحاسب الأفراد على أفعالهم. فالدين لا يقتل، ولا يسرق، ولا يغتصب، وإنما من يفعل ذلك هو إنسان تجرد من تعاليم دينه، أيًا كان دينه. فالأديان كلها تدعو للخير، وتنهي عن الفساد، وتقدس الروح الإنسانية، ولا يجوز أن نُحمّل الدين ذنبًا لم يرتكبه.

لماذا الآن؟ نطرح هذا السؤال بمرارة: لماذا طفت قضية الطفل ياسين على السطح الآن، بعد عام من نظرها أمام المحاكم؟ لماذا تُطرح بهذه القوة وتُغذى بنَفَسٍ طائفي؟ ومن المستفيد من إشعال فتيل الفتنة؟

إنها ليست المرة الأولى التي يُحاول فيها البعض الزج بالدين في قضايا جنائية، وهنا نُذكّر بعدة حوادث مشابهة:

• واقعة مقتل ماري سامح (2016): الطالبة القبطية التي قُتلت في المنيا إثر خلافات اجتماعية، وسارع البعض إلى تحويلها إلى قضية اضطهاد ديني، رغم أن التحقيقات أثبتت أن الجريمة جنائية بحتة.

• أحداث أطفيح (2017): التي شهدت اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين بسبب شائعة تحويل منزل إلى كنيسة، وأثبتت التحقيقات أن البناء غير مرخص، لكن الطابع الطائفي أُقحم عمدًا في المشهد.

• واقعة مقتل القس أرسانيوس وديد بالإسكندرية (2022): حيث قُتل القس على يد مختل نفسي، لكن جرى استغلال الحادث لإشعال حالة من الغضب الطائفي قبل أن تُظهر التحقيقات الحقيقة.

ثقتنا كبيرة في القضاء المصري، وقدرته على الوصول إلى الحقيقة، وتوقيع العقوبة المناسبة على من تثبت إدانته، دون تمييز أو انحياز. فالدستور والقانون فوق الجميع، والعدالة لا تضع غطاءً دينيًا على رأسها.

باختصار.. إن تحويل مسار قضية إنسانية مثل قضية الطفل ياسين إلى معركة دينية، هو جريمة في حد ذاته. جريمة في حق العدالة، وفي حق الوطن، وفي حق الطفل الصغير الذي يجب أن يُنصف بعيدًا عن التوظيف الطائفي.

إن أعظم ما يملكه هذا الوطن هو تماسك نسيجه الاجتماعي، ووحدة أبنائه رغم اختلاف العقيدة، وتنوع الخلفيات. وإن اللعب بهذا التوازن تحت غطاء «العدالة» أو «الحرية» هو تزييف للواقع وتخريب للوطن. إننا نُطالب بمحاكمة الجاني مهما كانت هويته، ولكننا نرفض تمامًا أن يُحاكم الدين مع الجريمة. فالدين لا يُجرّم، وإنما يُجرَّم من أساء إليه بأفعاله.

دعونا ننتصر للعدالة، لا للفتنة. ننتصر لياسين، لا لمن يركبون مأساته. وننتصر لوطن لا يريد أن يعود إلى الوراء.

samyalez@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى