
سامي أبو العز يكتب: قانون الايجارات.. تركة ثقيلة تواجه البرلمان
ملايين المصريين يراقبون عن كثب ما يجري تحت قبة البرلمان بشأن تعديلات قانون الايجارات القديم، وقد ضاقوا ذرعًا بسنوات التجاهل والمماطلة.
الأمل معقود على أن تشهد الساعات المقبلة صدور تعديلات حقيقية وجريئة تعيد التوازن المفقود، وتنهي عهدًا من الظلم التشريعي الذي دفع ثمنه الأبرياء من الملاك وورثتهم. لحظة الحسم قد حانت، ولا مجال لمزيد من التسويف.
في دولة تُرفع فيها شعارات العدالة الاجتماعية ودولة القانون، لا يزال قانون الإيجارات القديمة وصمة قانونية تُقنن الظلم وتُكرّس التعدي على الحقوق.
عقود طويلة مرّت، والضحايا الحقيقيون لهذا القانون يزدادون، والمفارقة المؤلمة لا تزال قائمة.. ملاك لا يملكون، ومستأجرون يتحكمون.
يُعد قانون الإيجارات القديمة أحد أكثر القوانين المصرية إثارةً للجدل والانقسام، حيث امتد تأثيره لعقود كاملة خلقت واقعًا مشوهًا لعلاقة المالك بالمستأجر، وفرضت أوضاعًا لم تعد تتسق مع المنطق الاقتصادي أو مع مبادئ العدالة الاجتماعية.
المفارقة الصارخة التي خلقها القانون، أن هناك ملاكًا لا يملكون حق الانتفاع الحقيقي بما يملكونه، بل في حالات كثيرة لا يجنون سوى جنيهات معدودة من إيجارات لا تُصرف حتى على ورق المحاكم.
في المقابل، نجد مستأجرين أو ورثتهم يقطنون في عقارات بأحياء راقية، بإيجارات لا تتجاوز ثمن كوب قهوة، ويرفضون أي حديث عن التعديل باعتباره «تهديدًا للاستقرار».
وبين الطرفين، غابت العدالة، وضاعت ملكيات، وانهارت عمارات لم تجد من يصونها، لأن المالك فقد الحافز والمستأجر لا يملك الحق القانوني في الترميم أو الاستثمار.
الحديث عن تعديل القانون يضعنا أمام شبكة من المصالح والضغوط. هناك مستفيدون من الوضع الراهن – ليسوا فقط من السكان، بل أيضًا من سماسرة الاستقرار القانوني، والبيروقراطية المعطلة، وحتى بعض الكيانات التي ترى في بقاء الوضع على ما هو عليه وسيلة لتجميد الصراع لا حله.
لكن في المقابل، هناك عشرات الآلاف من الملاك وورثتهم ممن فقدوا الأمل في إنصاف قانوني يعيد إليهم حقوقًا مغتصبة. هؤلاء لا يطالبون بطرد المستأجرين إلى الشوارع، بل بمنظومة تدريجية تحقق التوازن: لا تهدم الاستقرار، ولا تفرّغ الملكية من معناها.
ليس من الإنصاف أن يبقى مالك العقار عاجزًا عن استرداد حقه في الانتفاع بما يملك، بينما تتوارث أجيال من المستأجرين وحدات سكنية وتجارية بإيجارات تافهة لا تواكب الزمن ولا العدالة.
ما يحدث ليس استقرارًا اجتماعيًا كما يُروج البعض، بل تجميدٌ للحقوق، وإهانةٌ للدستور، وتكريسٌ لخلل اقتصادي واجتماعي صارخ.
اليوم، يعود القانون إلى طاولة النقاش تحت قبة البرلمان، مدفوعًا بحكم المحكمة الدستورية العليا الذي كشف صراحة عدم دستورية تثبيت الإيجارات إلى ما لا نهاية.
اللجنة البرلمانية المختصة – مدفوعة هذه المرة بإرادة سياسية واضحة – تبحث عن صيغة تضمن التوازن بين الطرفين. ولكن السؤال الجوهري لا يزال مطروحًا: هل نحن أمام مسار إصلاحي حقيقي، أم مجرد مسكنات جديدة تبقي على التشوه القانوني القائم؟
باختصار.. على الدولة أن تُدرك أن الإنصاف لا يعني الطرد العشوائي للمستأجرين، بل إصلاحًا متدرجًا، عادلًا، يرد الحقوق إلى أصحابها دون المساس بأمن المجتمع.
أما بقاء الوضع على ما هو عليه، فهو تكريس لعقارات تنهار، وممتلكات تُهدر، وحقوق تُسلب باسم قانون مات منذ عقود وبقي يُدار بجسدٍ متحللٍ وروحٍ تائهة.
لقد طال الصمت. وعلى البرلمان – إن أراد أن يكتب صفحة جديدة في تاريخ العدالة التشريعية – أن يُقر قانونًا لا يُرضي طرفًا على حساب آخر، بل يُنهي مهزلة قانونية لا مكان لها في دولة تحترم ملكية الفرد وتحمي كرامة المواطن.