
سامي أبو العز يكتب: سامح حسين غير المعادلة لصالح المصري
في زمنٍ طغت فيه برامج الترفيه السطحية والمحتوى الفارغ على شاشات التلفزيون، برزت ظاهرة الفنان سامح حسين كحالة استثنائية لافتة، تكشف الكثير عن معدن المصريين الحقيقي، وتفضح في الوقت ذاته فشل برامج الهلس التي تحاول فرض نفسها على الذوق العام.
على مدار سنوات، كانت القنوات الفضائية تتسابق في تقديم محتوى يركز على الإثارة، السخرية، والإفيهات المبتذلة، معتمدة على جذب المشاهد بالإغراء لا بالفكر، وبالضوضاء لا بالقيمة.
ومع انتشار هذه النوعية من البرامج، اعتقد البعض أن الجمهور المصري قد فقد اهتمامه بالمحتوى الهادف، وأن المستقبل للمحتوى التجاري السطحي.
جاءت تجربة سامح حسين، سواء في المسرح أو الدراما أو حتى البرامج الترفيهية، لتكسر هذه القاعدة. فبعيدًا عن موجة الإسفاف، قدم محتوى يحترم العائلة، يخاطب العقول، ويبعث البهجة دون تجاوزات.
هذه المعادلة الصعبة، التي فشل كثيرون في تحقيقها، جعلت أعماله تلقى قبولًا واسعًا، ليس فقط بين الأطفال والشباب، بل بين العائلات المصرية التي كانت تبحث عن بديل يحترم قيمها وثقافتها.
وسط زحام المسلسلات والبرامج الترفيهية في شهر رمضان، جاء برنامج سامح حسين ليكون بمثابة القطايف الرمضانية التي استمتع بها المصريون والعرب والمسلمون، ليس فقط كوجبة خفيفة على القلب، بل كوجبة دسمة مليئة بالقيم والرسائل الهادفة.
في وقتٍ كانت تتنافس فيه بعض البرامج والمسلسلات على جذب المشاهدين بالإثارة والسطحية، كان برنامج سامح حسين بمثابة نسمة نقية وسط صخب الضوضاء، تُعيد التذكير بالروح الحقيقية لهذا الشهر الكريم.
وربما كانت المفاجأة الأكبر أن البرنامج الذي قدمه سامح حسين وحقق نجاحًا مدويًا، رفضته كل القنوات التلفزيونية في البداية، بعد أن حكمت عليه بالفشل قبل حتى أن يُعرض! لم تؤمن هذه القنوات بقدرة المحتوى الجاد على تحقيق النجاح، وظنت أن المشاهد المصري لم يعد يهتم سوى بالبرامج الهزلية والسطحية.
لكن الواقع أثبت العكس، حيث تحوّل البرنامج إلى حديث المصريين، بل وصل إلى حد إشادة الرئيس عبد الفتاح السيسي به، مؤكدًا على حاجة المجتمع إلى مثل هذه البرامج التي ترتقي بالفكر وتحترم المشاهد.
إن نجاح سامح حسين وبرنامجه يؤكد أننا بحاجة ماسة إلى إعلام مرئي جاد، يحمل رسالة هادفة، ويساهم في بناء وعي المجتمع بدلاً من تدميره.
ما حدث مع هذا البرنامج يعكس أزمة حقيقية في صناعة الإعلام، حيث تتحكم المصالح التجارية في المحتوى، دون النظر إلى ما يحتاجه الناس حقًا، وما يخدم مستقبل الأجيال القادمة.
وسط كل هذا، لا يسعنا إلا أن نوجه تحية تقدير إلى سامح حسين، الذي أخرج أفضل ما عنده، ليس فقط لإمتاع المشاهدين، بل لكشف معدن المصريين الأصيل، وإثبات أن الفن الهادف لا يزال قادرًا على تحقيق النجاح، مهما حاول البعض تهميشه أو التقليل من أهميته.
رغم أن الإعلام الترفيهي لن يختفي، إلا أن تجربة سامح حسين تؤكد أن هناك جمهورًا يبحث عن محتوى محترم، ويستطيع أن يميز بين «المرح الهادف» و«الهلس الفارغ». وربما تكون هذه الظاهرة بداية لتحول جديد في الإعلام المصري، يعيد التوازن بين الترفيه والقيمة، بعد سنوات من الانجراف وراء المحتوى التجاري الرخيص.
باختصار.. يمكننا القول إن سامح حسين لم يكن مجرد فنان كوميدي، بل كان ظاهرة كشفت عن معدن المصريين الحقيقي، ورغبتهم في محتوى يليق بهم، بعيدًا عن موجات الإسفاف والانحدار الفكري.