
سامي أبو العز يكتب: حل جماعة الإخوان الأردنية ودلالاته الإقليمية
في خطوة تعكس تحولات إقليمية عميقة، أقدمت السلطات الأردنية مؤخرًا على حل جماعة الإخوان المسلمين وتجميد نشاطها القانوني داخل المملكة، في قرار وُصف بأنه يحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز حدود الدولة الأردنية.
تأتي هذه الخطوة ضمن سياق أوسع من التضييق المتزايد على الجماعة في معظم بلدان الشرق الأوسط، وتطرح تساؤلات عدة حول مستقبل الجماعة، خاصة في ظل علاقتها المتشابكة مع تنظيمات كحركة حماس الفلسطينية.
القرار الأردني لم يكن مفاجئًا بالكامل؛ فقد سبقه سنوات من التوتر بين الجماعة والدولة، بدءًا من فقدانها الاعتراف القانوني في عام 2015، مرورًا بالانقسامات الداخلية التي أدت إلى تأسيس «جمعية الإخوان المسلمين» المحسوبة على السلطات، وصولًا إلى التضييق على أنشطتها الاجتماعية والدعوية.
لكن توقيت الحل النهائي يحمل دلالة خاصة، إذ يتزامن مع توترات إقليمية متصاعدة، لا سيما في الملف الفلسطيني، حيث تُتهم حماس – الذراع العسكري والسياسي للإخوان في غزة – بلعب دور إقليمي يتجاوز القضية الفلسطينية، بدعم من محور إقليمي يتقاطع مع سياسات الأردن أمنيًا وجغرافيًا.
رغم أن جماعة الإخوان في الأردن سعت، تاريخيًا، إلى الظهور كجزء من النسيج السياسي المحلي، فإن علاقتها العضوية بحركة حماس بقيت نقطة ارتكاز في تحليل موقف الدولة منها.
الجماعة لم تنكر يومًا دعمها السياسي والأيديولوجي لحماس، بل كانت دائمًا الواجهة التي تُظهر تعاطفًا شعبيًا معها، خصوصًا في أوقات التصعيد الإسرائيلي في غزة.
إلا أن التحولات الجارية، من تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، وتنامي الحساسية من النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، وضعت الأردن أمام معادلة معقدة: كيف توازن بين دعم القضية الفلسطينية كأولوية تاريخية، والحفاظ على الأمن الوطني في مواجهة جماعة لها امتدادات خارجية نشطة وغير خفية؟
قرار الأردن ليس معزولًا عن خارطة التحالفات الجديدة في المنطقة. فمع تراجع النفوذ التقليدي للإخوان في مصر وتونس وليبيا، وبروز تحالف عربي إقليمي يتبنى نهجًا أكثر صرامة تجاه الحركات الإسلامية السياسية، بدا أن عمان تتجه تدريجيًا للتموضع ضمن هذا المحور، الذي يضم القاهرة والرياض وأبوظبي.
ويُنظر إلى هذا الأمر على أنه محاولة لحماية الأمن الوطني الأردني من احتمالات زعزعة الاستقرار، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة والضغط الشعبي المتزايد بفعل غلاء المعيشة. إذ تخشى الدولة من استغلال أي تنظيم منظم، كالإخوان، للأزمات الداخلية في تأجيج الشارع.
لم يكن قرار الأردن بمعزل عن توجه إقليمي أوسع يسعى إلى تقويض نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، حيث لعب عدد من ملوك ورؤساء دول الشرق الأوسط أدوارًا حاسمة في هذا المسار.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ وصوله إلى الحكم في 2013، قاد حملة شاملة ضد الجماعة، شملت تصنيفها كتنظيم إرهابي، وتجفيف منابعها السياسية والمالية.
في السعودية، كان الملك عبد الله بن عبد العزيز أول من أدرج الإخوان كجماعة إرهابية في 2014، وهو النهج الذي واصلته القيادة الحالية، بالتوازي مع الإمارات التي قادت حملة فكرية وسياسية ودبلوماسية ضد ما تعتبره «مشروعًا خطيرًا على استقرار الدول الوطنية».
في المقابل، ما تزال فلول الجماعة نشطة في بعض الدول، إما عبر واجهات دعوية وخيرية، أو ضمن أطر سياسية أكثر مرونة.
أبرز هذه الدول تشمل تركيا، التي وفرت ملاذًا آمنًا لقيادات الإخوان بعد سقوطهم في مصر، وقطر التي تُتهم بتمويل مؤسسات إعلامية وسياسية محسوبة على الجماعة.
كما تحتفظ الجماعة بحضور غير مباشر في بعض المجتمعات الإسلامية الأوروبية، لا سيما عبر المنظمات المرتبطة بـ«اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا».
غير أن هذه الفلول، وإن بدت غير قادرة على استعادة زخمها السابق، تواصل محاولات التأقلم مع البيئة الجديدة، مستفيدة من الصراعات الإقليمية، والفراغات السياسية في بعض الدول الهشة، ما يجعلها «خطرًا غير مرئي» أكثر منه تيارًا سياسيًا فاعلًا في العلن.
باختصار.. تفكيك جماعة الإخوان في الأردن ليس مجرد قرار قانوني، بل هو إعلان عن تغير جوهري في طبيعة العلاقة بين الدولة وتيار سياسي ظل لسنوات يحظى بهامش من الشرعية. وهو جزء من عملية أوسع تسعى من خلالها أنظمة المنطقة لإعادة تعريف شكل الدولة والمواطنة، بعد عقود من المد الإسلامي السياسي.
ومع أن القرار قد يُنظر إليه كنجاح تكتيكي للدولة الأردنية في ضبط المعادلة الأمنية، إلا أن المدى البعيد سيُظهر إن كانت الجماعة قد انتهت فعلاً، أم أنها بصدد إعادة التموقع في شكل جديد، ربما أكثر مرونة… أو أكثر راديكالية.