
سامي أبو العز يكتب: القاهرة.. ملاذ للشرعية السودانية
في لحظة إقليمية فارقة، جاءت زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى القاهرة، لتضع الكثير من النقاط فوق الحروف، ليس فقط فيما يتعلق بمستقبل العلاقات المصرية السودانية، ولكن أيضاً في سياق الصراع الإقليمي والدولي على منطقة القرن الإفريقي.
لم تكن زيارة البرهان مجرد تحرك بروتوكولي أو نشاط دبلوماسي اعتيادي، بل كانت تحمل في طياتها رسائل استراتيجية متعددة الاتجاهات، أراد الطرفان إيصالها بوضوح إلى الداخل والخارج على حد سواء.
تأتي زيارة البرهان في ظل استمرار الصراع العسكري في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، في نزاع دموي ألقى بظلاله الثقيلة على وحدة الدولة واستقرار الإقليم.
التوقيت حساس ودقيق؛ إذ أن مصر، منذ اندلاع الأزمة، اتخذت موقفاً ثابتاً يقوم على دعم وحدة السودان وسلامة مؤسساته الوطنية، ورفض تفكيك الدولة أو الانجرار وراء التدخلات الخارجية التي تهدد الكيان الوطني السوداني.
زيارة البرهان تؤكد أن القاهرة ما تزال هي الملاذ السياسي الآمن للشرعية السودانية، وأن التنسيق بين مصر والسودان هو في أعلى درجاته لمواجهة التحديات الراهنة.
في مشهد إقليمي تتصارع فيه قوى دولية وإقليمية على النفوذ في السودان، أرادت القاهرة والخرطوم عبر هذه الزيارة أن تبعثا برسالة واضحة: أن الحل السوداني يجب أن يكون سودانياً خالصاً، وأن بوابة الخروج من الأزمة تمر عبر الحوار الوطني الشامل، وليس عبر الإملاءات الخارجية.
من جانب آخر، تؤكد الزيارة أن مصر تعتبر السودان امتداداً استراتيجياً لها، وأن أمن الخرطوم هو بالضرورة جزء من أمن القاهرة. وهذا المفهوم تجلى بوضوح في تصريحات القيادتين وفي مواقف مصر الثابتة في كافة المحافل الدولية.
منذ عقود طويلة، كانت العلاقة بين مصر والسودان قائمة على معادلة ثابتة: أمن مصر يبدأ من السودان، والعكس صحيح. الحدود المشتركة، قضايا المياه، الأمن الغذائي، تحركات الجماعات الإرهابية، كلها ملفات تجعل من استقرار السودان مسألة حيوية للأمن القومي المصري.
من هنا، لا تنظر القاهرة إلى ما يحدث في السودان باعتباره شأناً داخلياً بعيداً عنها، بل تعتبره معركة مصير، تتطلب منها تحركاً سياسياً ودبلوماسياً نشطاً، ودعماً لمؤسسات الدولة السودانية، حمايةً لوحدة السودان أولاً، ولأمن مصر القومي ثانياً.
الزيارة أيضاً تحمل دلالات إقليمية أوسع؛ فهي رد عملي على محاولات بعض القوى الإقليمية إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للقرن الإفريقي بعيداً عن مصالح شعوبه. فمصر، التي طالما التزمت بدعم استقرار الدول الإفريقية، ترفض العبث بسيادة السودان، كما ترفض أن يتحول إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية أو دولية.
زيارة البرهان إلى القاهرة تعكس إدراك السودان لثقل الدور المصري، واعترافاً بأن القاهرة تمتلك من الأدوات والاتصالات الإقليمية والدولية ما يؤهلها للعب دور محوري في إعادة السودان إلى مسار السلام والاستقرار.
باختصار.. يمكن القول إن زيارة البرهان إلى مصر لم تكن مجرد حدث سياسي عابر، بل كانت جزءاً من معادلة كبرى تعيد تثبيت حقيقة تاريخية: أن مصر والسودان شريان واحد، ومصير واحد، وأي مساس باستقرار أحدهما يمثل تهديداً مباشراً للآخر.
إن نجاح القاهرة والخرطوم في التنسيق السياسي والأمني، سيكون له انعكاس مباشر على استقرار الإقليم، وعلى رسم مستقبل القرن الإفريقي، بل وربما على التوازنات الدولية في هذه المنطقة الحساسة من العالم.