- أهم الأخباراخترنا لكنون والقلم

سامي أبو العز يكتب: الحكومة تعيد إنتاج الأزمات بدلًا من حلّها

لا يحتاج المواطن المصري إلى مؤامرة خارجية كي يشعر بالاختناق. فالحكومة، بسياساتها المرتبكة وقراراتها المفاجئة، كفيلة وحدها بخلق أزمات تكفي لإشغال البلاد والعباد. وكأنها باتت تتقن خلق الأزمات لا حلّها، وتتفنن في تحميل المواطنين فواتير الإخفاق والتقصير.

القانون القديم للإيجارات، الذي أقر منذ أكثر من نصف قرن في ظروف مختلفة تمامًا، أصبح اليوم عنوانًا جديدًا للصدام، وأحدث حلقة في مسلسل طويل من الإخفاق في إدارة الملفات الحساسة.

وعلى الرغم من تعاقب الحكومات وتغير الوزراء، ظل هذا القانون عصيًا على الإصلاح، لا بسبب تعقيده فقط، بل لعجز الدولة عن إنتاج حلول عادلة تحفظ حقوق المالك والمستأجر دون أن تخلخل استقرار المجتمع.

المثير للدهشة – وربما القلق – هو توقيت فتح هذا الملف الشائك في ظل ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية خانقة، وارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، وتدهور في قيمة العملة، وضغوط معيشية دفعت بالملايين إلى حافة الانهيار. أليس من العبث طرح قانون بهذه الحساسية في وقت يُجمع فيه الجميع على ضرورة التهدئة وتثبيت الأوضاع؟

أزمات متراكمة تُرهق المواطن

وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ معدل التضخم السنوي في مصر 28.3% خلال عام 2024، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وزيادة الأعباء المالية على الأسر المصرية. كما سجل معدل البطالة السنوي 6.6%، مما يعكس تحديات سوق العمل وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعي.

وتشير بيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك إلى أن نسبة كبيرة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، مما يستدعي تدخلات فعالة لتحسين مستويات المعيشة بدلاً من تعقيدها.

قانون الإيجارات القديمة.. أزمة جديدة في توقيت حرج

في هذا السياق المتأزم، تطرح الحكومة تعديلات على قانون الإيجارات القديمة، مما يثير مخاوف من تشريد ملايين الأسر، وزيادة التوترات الاجتماعية.

وكان من الأولى بالحكومة، قبل أن تمضي في طرح التعديلات، أن تدرسه جيدًا بكل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية، وأن تفتح حوارًا مجتمعيًا شفافًا مع كافة الأطراف المعنية، سواء من الملاك أو المستأجرين.

مثل هذه القوانين لا تُعالج بقرارات فوقية أو مباغتة، بل تحتاج إلى رؤية عادلة توازن بين الحقوق وتراعي ظروف الناس. الأهم من ذلك أن تختار الحكومة التوقيت المناسب، فليس من الحكمة أن تُفتح هذه الملفات المعقدة في ذروة أزمة اقتصادية طاحنة تُكافح فيها الأسر من أجل البقاء.

برلمان صامت وحكومة منهكة

تعديلات القانون تبدو كقنبلة موقوتة، قد تنفجر في وجه الجميع، فيما يقف البرلمان في نهاية مدته عاجزًا عن المواجهة أو اتخاذ موقف حاسم، خوفًا من خسارة ما تبقى من رصيده الشعبي.

وهنا تبرز المفارقة الكبرى: حكومة تتصرف كشيخ طاعن في السن، أُنهك من المسؤولية، فلم يعد ينتج إلا الأزمات، وآن أوان إراحته وتكليف من يملك القدرة على العطاء والفهم والتخطيط.

 الشعب يستحق حكومة تُقدّر معاناته

المواطن المصري، الذي تحمل الكثير من الأعباء، يستحق حكومة تُقدّر معاناته، وتسعى بجدية لتحسين ظروفه المعيشية، لا حكومة تبتكر له أزمات جديدة كلما ظنت أنها تمضي إلى الأمام.

آن الأوان لحكومة تفهم الناس، لا تُفاجئهم. لسلطة تُحاورهم، لا تُعاقبهم. فالشعوب لا تنهض بحكومات تُرهقها، بل بحكومات تُلهمها.

samyalez@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى