دوشة فنية

شعراء الإمارات يتألقون في الحلقة الـ 11 من شاعر المليون

سالم الراشدي يتأهل عن الحلقة العاشرة بفضل تصويت الجمهور بـ83%

الإماراتية بتول آل علي الشاعرة الوحيدة التي تتأهل إلى المرحلة الثالثة بحصولها على 48 درجة

وزايد التميمي ينتقلُ معها بدرجات وصلت إلى 47 درجة

الشاعر القدير سلطان الهاجري ضيف الأمسية 

في تمام الساعة العاشرة من مساء أمس انطلقت ثالث حلقات المرحلة الثانية من برنامج شاعر المليون الذي تنظمه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، وتنقله على الهواء مباشرة كل من قناة الإمارات وقناة بينونة.

وانطلقت أحداث الحلقة بحضور الشيخ نهيان بن خليفة بن حمدان آل نهيان، ومعالي اللواء ركن طيّار فارس خلف المزروعي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، والسيد عيسى المزروعي، نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي،وأسرة لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، وجمهور عربي مثّل معظم الدول العربية؛ التقى في مسرح “شاطئ الراحة” لتشجيع الشعراء الذين شاركوا في حلقة ليلة أمس.

حسين العامري و اسمهان النقبي

وقبل أن يبدأ شعراء الأمسية بإلقاء قصائدهم والتنافس على الانتقال إلى المرحلة الثالثة من البرنامج؛ أعلن كل من حسين العامري وأسمهان النقبي عن الشاعر الذي تأهل عن الحلقة الماضية بتصويت الجمهور، حيث استطاع الشاعر الإماراتي سالم بن كدح الراشدي اللحاق بزميليه السعودي فواز الزناتي العنزي والكويتي أحمد بن شمروخ المطيري، ليمثلوا الحلقة العاشرة التي انتقلوا منها إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل برنامج “شاعر المليون” بدورته الثامنة.

سالم بن كدح الراشدي المتأهل بالتصويت

فقد منح الجمهور 83 % من أصواته للشاعر الراشدي ليكتمل عقد المرّشحين إلى المرحلة الثالثة من البرنامج الذي تنظمه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي.

وعرض خلال الحلقة تقرير عن جناح أم الإمارات في “مهرجان أم الإمارات”، بما فيه من معروضات تفاعلية مع الجمهور تتحدث عن المرأة الإماراتية، و وسام زايد الذي تم إهداؤه لسموها عام 2016 من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، كما يتضمن الجناح كل ما صنعته أيادي النساء من صناعات بيئية يدوية، بالإضافة إلى تراث النساء الإماراتيات من الشعر.

وعقب التقرير تقدم الشعراء الستة الذين شاركوا في الحلقة، وهم: بتول آل علي من الإمارات، زايد التميمي من العراق، متعب الشراري ومحمد العنزي من السعودية، مبارك الفعم الرشيدي من الكويت، ومهنا الماضي الشمري من سوريا، وبعد المنافسة بين الشعراء، والمجاراة التي قدموها؛ منح أعضاء لجنة التحكيم د. غسان الحسن والناقد سلطان العميمي والناقد حمد السعيد أعلى الدرجات المتمثلة بـ48 درجة للشاعرة بتول آل علي لتتمكن بذلك من الوصول إلى المرحلة الثالثة، ولتكون الشاعرة الوحيدة فيها، كما ذهبت ثاني أعلى الدرجات للشاعر زايد التميمي الذي حصل على 47 درجة. الأمر الذي يستوجب من بقية الشعراء الانتظار حتى الأسبوع المقبل لمعرفة اسم الشاعر الذي سيؤهله الجمهور، بعد أن منحت اللجنة محمد العنزي 45 درجة، ومتعب الشراري ومبارك الفعم الرشيدي 42 درجة لكل منهما، ومهنا الماضي الشمري 39 درجة.

بتول ال علي المتأهلة بقرار اللجنة
زايد الضيق التميمي المتأهل بقرار اللجنة

الهاجري ضيف الحلقة

استضاف البرنامج ليلة أمس الشاعر سلطان بن وسّام الهاجري الذي تحدث عن أهمية برنامج شاعر “المليون” في صناعة نجوم الشعر، وعما يقدمه البرنامج للشعراء من اختصارٍ للوقت، فيقدمهم للجمهور العربي الناطق بالعربية. كما تحدث عن ملامح من مسيرته الشعرية، وخاصة في فن المحاورة. وليلة أمس ألقى مجموعة من قصائده، ومن بينها أبياته التي قال فيها:

سلام من راسي موجّه ومرسول .. مني وأنا في ساحة الشعر سلطان

أخاطب أهل إحساس وأفكار وعقول .. ما هو لزوم أسمي فلان وفلان

خلجينا نحميه بالعرض والطول .. غصبٍ على أهل إيران واللي مع إيران

الحوثي وجّه صواريخه نقول .. يا بو يمن هذه طراطيع ورعان

حنّا نهز عروش ونقول ونطول .. في عهد ابو خالد وفي عهد سلمان

نامر على المسؤول ويشيل مسؤول .. هيبة عصا موسى وخاتم سليمان

يذكر أن الشاعر سلطان بن وسّام الهاجري، من مواليد المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، لقِّب بشاعر “الوزن الثقيل”، لاعتباره أحد أفضل شعراء الخليجيين في مجال المحاورة، إلى جانب تميزه بشعر النظم والألغاز أيضاً. فشعره الذي وصفه أغلبية الشعراء والنقاد ومن مختلف الأجيال المعاصرة له بأنه سهل ممتنع؛ يعجب الكثيرين.

والشاعر سلطان الهاجري يملك مقدرة إبداعية خاصة في بناء قصائده بإحكام، وفي اختيار مفردات وعبارات شعرية متفردة. حصل على العديد من الجوائز الخاصة بالشعر النبطي، لعل أهمها شاعر العرب التي حصل عليها عام 2008

«مجاديف» بتول آل علي

وكانت بتول آل علي أول شعراء الأمسية التي تقدمت بإبداعها، ومثلما تمكنت من إلقاء نص متماسك ومتميز في المرحلة الماضية، استطاعت ليلة أمس إلقاء نص لا يقل جمالاً عن سابقه بعنوان (مجاديف الأمل)، والذي حقق لها التميز، لتكون الشاعرة الوحيدة التي تنتقل إلى المرحلة الثالثة، فقالت في أبياته الأولى:

بتول ال علي

الأرض من وبل السما يكسي عراها الاحتشام

ما أورقت إلا ثمر فكري تدلى أجزله

طارت أبابيل الحروف تحوم في صدري كلام

ترمى حبر سجّيلها وتصيب عين المسأله

ما بين عيب المطرقة وبين سندان الحرام

حملت ذنب – جل ربي – ما ذكره ف منزله

لين انطوى عمري وفي نفسي مخاييل الغمام

لي زوج من حلم يكاد يكون أرمله

والناس تتشاءم إذا شدّت يد المرأة زمام

كنها مقاليد العقل مرهونة بالمرجله

وأشار د. غسان الحسن بداية إلى ذهاب الشاعرة إلى قضية تشغل المرأة العربية، وإلى التقاليد التي غلبت على المجتمع العربي، وباحتراف جاءت بنصٍّ نسائي، فأتقنت بتول من خلاله العطاء الأنثوي، وعبرت عن الهموم التي تحملها المرأة العربية، فكانت بمثابة اللسان المبدع في التعبير عن تلك المرأة وفي تمثيل قضاياها. وأضح الناقد أن النص ينضح بالثقافة، حيث العبارات التي وردت فيها كلها شعرية، كما جاءت الصور مبتكرة في معظمها، وهي تحسب للشاعرة. ووجد د. الحسن تصويراً مضاعفاً في النص، إلى الحد الذي يصل بالصورة إلى الرمزية. ومن جهة أخرى أشار إلى أن الشاعرة استقت بعض عباراتها من آيات القرآن عندما قالت (طارت أبابيل الحروف تحوم في صدري كلام/ ترمى حبر سجّيلها وتصيب عين المسأله) فاستفادت من بلاغة الآية، كما استقت من الأمثولة عندما قالت (ما بين عيب المطرقة وبين سندان الحرام/ حملت ذنب – جل ربي – ما ذكره ف منزله/ لين انطوى عمري وفي نفسي مخاييل الغمام)، واستفادت من القصص القرآنية بقولها (آمنت في عقل آسيا ومريم عليهن السلام/ يوم إن بعض رجالنا حتى صلاته مهمله)، وأيضاً من الحديث (ودّي رواية حلمنا يكمل سندها بالتمام/ نطوي أحاديث قضيناها ليالي مرسله).

لجنة التحكيم

واعتبر د. غسان ذلك البيت كتلة شعرية رائعة جداً، فالشاعرة تشبّه حالتها بالحديث المرسل الذي ينقطع فيه السند، فاستفادت من العملية في رواية الحديث، وانتبهت إلى التورية، أي الحديث بمعنى الحديث، والحديث بمعنى الكلام، أما في البيت الأخير (ودّي أكون ليا سرى همي مع صمت الظلام/ طفلة غفت ما همها الحاضر ولا مستقبله) ففيه تمنّت الشاعرة أن تصل إلى حلمها وتغفو، وهي أمنيةٌ تذهب نحو العودة إلى الطفولة.

وقد لمس الناقد سلطان العميمي نضوجاً ووعياً كبيرين في النص، بما يحمل من خصوصية في الأسلوب والطرح وبناء الصورة، وحتى في موضع كل صورة، فرغم أن الموضوع ينطلق من قضية الأنثى التي تواجه التحديات في مجتمعها؛ إلا أن الأثر الديني كان له الحضور الأكبر، ومع ذلك لم نجد قضية دينية إنما إنسانية بحتة عبرت عنها أنثى تبحث عن ذاتها من خلال طريقها الذي تشقّه بفرض حضورها في الشعر. وأوضح أن الشاعرة جاءت بتصوير جميل يوازن بين العمق والبلاغة؛ تمثّل في البيت (ضحكت لي ولكن بانت وجوده جهام/ حطّت خطاوي دمعتي في راحتيني مثقله)، فيما اعتبر (ودّي راوية حلمنا يكمل سندها بالتمام/ نطوي أحاديث قضيناها ليالي مرسله) من أجمل الأبيات، وخاصة في توظيف مفردة (أحاديث).

كما أكد الناقد حمد السعيد أن بتول متألقة دائماً، وهي التي تبدو أنها تبنت قضية المرأة، فقدمت عبر نصّها الذي جاء على طرق الحداء/ البحر الطويل؛ طرحاً ناضجاً جداً، وهو نص لا يكتبه إلا شاعر متمكن. موضحاً أن الموضوع الذي طرحته الشاعرة يحتمل أن يكون ذاتياً أو عاماً على لسان امرأة. مشيراً إلى بعض الجزئيات التي وردت في النص فأبرزت خصوصية الشاعرة، وإلى بيتَيّ المطلع والختام الجميلين.

زايد التميمي وقصيدته “لمّ الشّمل”

استطاع أيضاً زايد الضيف التميمي ومن خلال نصه (لمّ الشّمل) أن يحوز على إعجاب أعضاء اللجنة التي أثرت أبياته بنقدٍ جاء لصالحه في نهاية الحلقة، ومكّنه من التأهل للمرحلة الثالثة، وهو الذي قال:

زايد الضيق التميمي

يا فرص الاشراق عمّيت الفضا بالشعاع

لا وادعك مشرقي يستقبلك مغربي

ما غيرتك السنون ولا الفجوج الوساع

لو جنبتك العيون ولو حذفك الصبي

ما عفت كبد السما من هون والانصياع

دام العقارب دنت تلزم عليك اتغبي

يا بطيء الايام لا هاجلت جروح الشجاع

كنّها غرير على الربّاض جالك ايحبي

دام الحصاه اعثرت به في طريق الضباع

وشلون ألوم الحجاره والجبل مضربي

قال الناقد سلطان العميمي إن القصيدة رغم ما في بعضها من ترميز؛ إلا أن المفاتيح فيها واضحة، كما في البيت (يا من الشمل ويبدد الانقطاع ويبدد الانقطاع/ كم لي أدوّر ذهيبي واعتلي مرقبي). مشيراً إلى ما في القصيدة من مستوى متصاعد. لافتاً إلى طريقة سبك القصيدة من مطلعها إلى خاتمتها، حيث لا فجوات فيها. من جهة أخرى وجد الناقد وعياً في القصيدة التي تتميز بتصاويرها، وبالدقة في اختيار المفردات التي جاءت في محلّها كما في البيت (دام الحصاه اعثرت في طريق الضياع/ وشلون ألوم الحجارة والجبل مضربي)، معتبراً ذاك التوصيف دقيقاً، ويوضح مقدرة الشاعر حتى في بناء المشهد العام، إذ رسم الشاعر ما في طريقه من أحداث وتفاعلات.

والنص جزل كما رآه الناقد حمد السعيد، لكنّه مغلف بالرمزية رغم وجود المفاتيح، غير أن تلك الرمزية مبررة طالما أن النص سياسي، مشيراً إلى البيت (يا فرص الاشراق عمّيت الفضا بالشعاع/ لا وادعك مشرقي يستقبلك مغربي) الذي يحتمل الكثير من التأويل، خاصة وأنه يمكن أن يسقط على العاطفة مثلما يسقط على السياسة، وأضاف الناقد أن الشاعر ركز على نقاط حساسة جداً توضحها الأبيات: (واروي جفاف الوداع بشربة الاجتماع/ ما دام حصن القرابة يردع الأجنبي)، و(لا صار يحرس قراح الما خبيث الطباع/ فالله يعين الظوامي ما لها مشربي)، والبيت الأخير (من لازم الجمع ما تقوى عليه السباع/ واللي غمز للمعادي عاقبته السبي).

في حين وجد د. غسان الحسن أن الشاعر كتب نصه بوعي وإدراك، فجاء بأبيات عبّر من خلالها عن المعاني التي أراد الذهاب إليها، أي الفراق والتفرق، كما جاء بكلماتٍ ومفردات غرسها في موضعها المقصود بالضبط، ففي البداية ورغم الضيق الذي أحس به الشاعر إلا أن هذا الضيق ملأ عليه الكون، وهو ما تعبر عنه مفردات مثل: (مشرق، مغرب، السنون، الفجوج، الأيام)، وقد أغرقها الشاعر بالأسى بسبب الفراق. كما توقف الناقد عند صور شعرية محترفة اقتنصها الشاعر من مخاييلَ وبيئات مختلفة، وردت في البيت: (دام الحصاه اعثرت به في طريق الضباع/ وشلون ألوم الحجاره والجبل مضربي)، والبيت: (حطاب الأشجار لو وجهه ستره القناع/ يسطي بفاسه ولو ما قال هذت احطبي)، وكذلك في البيت: (وإن كانت الخرس تومي للعصب بالذراع/ فقلوب بعض الأوادم أحلك من العبي)، فجاء توظيف البيئات متقناً وجميلاً، أما الأبيات الثلاثة الأخيرة فوجدها تحفل بكلمات مرتبطة بالاجتماع والأمن والجمع، وهذا التكثيف يدل على الأمنية التي يستحضرها الشاعر عبر نصه المفعم بالشعر.

مبارك الفعم يقدم “خصيمك الحرف”

نص (خصيمك الحرف) الذي ألقاه الشاعر مبارك الفعم الرشيدي حفل بالرمزية التي بررها له أعضاء لجنة التحكيم كونه ذهب إلى السياسة، غير أن نصه هذا لم يأتٍ مغلقاً تماماً، إنما حمّله ببعض المفاتيح الدالة على ما فيه، ومن أبياته الأولى اخترنا:

صبت فوق الورق فنجال فيه القناد

من دلة الهجس سقت جزاله الرايبه

خصيمك الحرف يا ليل جفاه الرقاد

تفرعن الشمس ما تبطي وهي غايبه

حتى لو الوقت يسرق منك لون السواد

حظوظنا دون وجهه سدت النايبه

ما جادلت أيامنا والعمر كفى وجاد

شف روسنا من تصاريف الزمن شايبه

القلب يستلهم الماضي لجرحه ضماد

والصوت يندى حنين وشمعته ذايبه

حمد السعيد أكد أن الشاعر يبكي الماضي والأمة عبر نصٍّ مترع بالشعور القومي، وأن الشاعر أشار إلى نقاط مهمة فيما قال، كما بالنسبة للبيت (لو اننا نعد من قوة وخيل وعتاد/ ما تمسي الهقوة اللي بالحشا خايبه)، والذي بدا وكأنه مفتاح العودة للأمجاد. وأضاف الناقد أن النص جميل جداً، والطرح واعٍ وناضج، الأمر ما يؤكده البيت (رايات الأخلاق سادت من بلاد لبلاد/ سيادة السيف ما هي فكره صايبه).

من جهته قال د. غسان الحسن إن الشاعر يحترف الكتابة حول موضوعات الساعة، ثم أشاد بالبيت (خصيمك الحرف يا ليل جفاه الرقاد/ تفرعن الشمس ما تبطي وهي غايبه)، وكأنه الخلاصة وإن كانت مستعجلة، فالسواد لا بد أن يذهب برأي الشاعر الذي فصّل الحديث في نصّه وقارن بين الحاضر والماضي، وخاصة في موضوع الجهاد، فذهب إلى التناص مع القرآن بالمعنى، حين اتكأ على آيةِ: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل). والجميل الذي وجده الناقد في النص مسألة تكثيف العبارة الشعرية، كما الحال بالنسبة للبيت (الله يرحم زمان فيه بانت سعاد/ فجر يملّي عيون بالوغى هايبه)، فهي عبارة مشبعة بالثقافة التي تشير إلى أحداث معينة، والشطر الثاني من البيت الأخير (سيادة السيف ما هي فكرة صايبه)، وفيه احترس الشاعر من الدعوة إلى السيف، لكن ما لم يعجب الناقد المطلع (صبيب وفوق الورق فنجال فيه القناد)، فالصورة عادة – كما قال – تُبنى بالخيال والواقع، وهذا ما لم يجده في مطلع النص، رغم أن توظيف الصورة جاء جميلاً.

فيما قال الناقد سلطان العميمي إن القصيدة تبتعد عن الهم الشخصي لتصل إلى الهم العام. إذ ربط الشاعر بين موضوع القصيدة والتاريخ والسياسة، فجاء بأبيات جميلة جداً مثل: (خصيمك الحرف يا ليل جفاه الرقاد/ تفرعن الشمس ما تبطي وهي غايبه). لكن وربما لكثرة الأطراف في النص؛ فإن بعض الجوانب لم تأخذ حقها، أي أن رأي الشاعر جاء عاماً. وبينما أورد الشاعر بعض الكلمات في مكانها المناسب، إلا أنه لم يأتِ بكلمات أخرى في موضعها الصحيح. ورأى الناقد أن الشاعر كان بإمكانه أن يأتي بصورة أجمل من تلك التي وردت في المطلع، كالتي جاءت في البيت الأخير، إذ أنه من أجمل أبيات النص (رايات الأخلاق سادت من بلاد لبلاد/ سيادة السيف ما هي فكرة صايبه).

«شكر إلى الكافل» قصيدة لـ متعب الشراري

“رسالة شكر من اليتيم إلى كافله الذي لا يعرفه ولم يراه” ألقاها الشاعر متعب الشراري عبر نصٍّ أشار فيه إلى المشاعر التي يحملها اليتيم لكافله حتى وإن لم يلتقِ به يوماً، فقال:

متعب النصار الشراري

يا نجمة الصبح لولا الشمس مالك بريق

أهدتك الأضواء وصرتي للسهارى مضاف

أحيان أطيق أسهرك وأحيان الله مَ أطيق

من يفقد أبوه حتى من صباحك يخاف

قولي لراع الرباب اللي تصب الرحيق

على أكثر إنسان في هالكون عاش بجفاف

شكراً ويا ليت شكراً في مقامك تليق

يا من وضعت الأماني بالكفوف العفاف

إبتل منك الوتين وروح وجلا وريق

كنّك على وجهي البائس ترش النفاف

د. غسان الحسن أكد أن الموضوع الذي جاء به الشاعر جديد، فهو إنساني بامتياز، وقد يكون ذاتياً. ثم لفت إلى المطلع الذي اعتبره رائعاً (يا نجمة الصبح لولا الشمس مالك بريق/ أهدتك الأضواء وصرتي للسهارى مضاف)، فهو بيت مُطرِب وفيه نضوج شعري، لكن الشعرية خفتت في البيت الذي يليه (أحيان أطيق أسهرك وأحيان الله مَ أطيق/ من يفقد أبوه حتى من صباحك يخاف). والسمة الغالبة على النص أنه كان مضطرباً في بعض المواضع، فالشاعر يأتي ببيت في غاية الجمال، ثم ببيت منخفض في مستواه الشعري، وكأن النص انقسم إلى قسمين، القسم الأول الجميل ينتهي عن البيت (لحقتني بآخر آنفاسي وكنت الغريق/ اللي يدوّر على قشه وجيته ضفاف)، فيما القسم الثاني كان أقرب إلى المباشرة، وحين قال الشاعر (أقبلت مثل البخت من كل فجّ عميق/ توقد لي كل مأمول سعى لي وطاف) فكان يدل على البذل. ووجد الناقد أن الشاعر وظف عبارة تقولها العامة عن القشة والغريق حين قال: (لحقتني بآخر أنفاسي وكنت الغريق/ اللي يدوّر على قشه وجيته ضفاف)، إلى أن وصل إلى البيت الأخير (ودامك كـ هاتين في الجنة مع أعظم رفيق/ عساني ألقاك فيها بين ظل وقطاف) الذي وظف فيه مفردة (كهاتين) من الحديث الشريف. غير أن الشاعر لم يرتقِ ببيته الذي قال فيه (شكراً ويا ليت شكراً في مقامك تليق)، لأن (شكراً) جاءت واقعية جداً.

وأشار الناقد سلطان العميمي إلى جمال النص الإنساني الذي ميز الشاعر المبدع في تناول هكذا مواضيع، مثلما هو مبدع في حضوره على المسرح وفي تفاعله مع نصوصه عموماً. ورأى الناقد وكأن القصيدة ربما كانت أطول لكن ما حكمها عدد الأبيات المطلوبة، معتبراً أن المطلع لافت، وكذلك توظيف العبارات الدينية، والأمثال الشعبية، والأحاديث النبوية، وهو ما تدل عليه مفردات مثل (قشة)، (غريق)، (كهاتين).

كما وجد الناقد حمد السعيد الطرح الإنساني متميزاً عبر نصٍّ تضمنت أحد أبياته مفردة وردت في حديث نبوي (كهاتين). وفي المقابل وجد كلمات وعبارات استخدمها الشاعر للدلالة عن حال اليتيم مثل (شكراً، أقبلت، من كل فج عميق)، وختم بإبداء إعجابه بالصور الجميلة والمؤلمة التي وردت في النص، كما بالنسبة للبيت (تزيدني لوعة الفرقا زفير وشهيق/ لا شفت أبو حاضن عياله وصدره لحاف).

محمد العنزي يخاطب الناس من خلال قصيدته «المنبر»

(المنبر) هو عنوان النص الذي ألقاه محمد سليمان العنزي، وخاطب من خلاله الناس للدلالة على الخير والشر، والأبيض والأسود، والتجهيل والتنوير، فقال:

محمد سليمان العنزي

بين روح الدين وأعجاز الكتاب

انبلج فجر فتق صدر العتيم

يا عطاشا الفكر وش ذنب السحاب؟

كيف يورق غصن في عقلي هشيم؟

أيها الناس: الخطيئه والصواب

فهرسة معنى جهنم والنعيم

أستهل المنبر بفكرة كلاب

ما درى منهو يجي عقب الكريم؟

البشوت أحيان محيوكة عذاب

زريها نار وفتن ليل بهيم

قال الناقد سلطان العميمي إن القصيدة متفرّدة بامتياز كما عوّدنا الشاعر، فقصائده التي سبق وألقاها تأتي محمّلة بالمعاني التي يريد إيصالها. موضحاً أن الشاعر يميل إلى الطواريق/ البحور القصيرة، التي تمنح الشاعر سمة خاصة به، وحتى المفردات التي يأتي بها خاصة به، كما بالنسبة للمفردات التالية (البشوت، العقول، المنابر، الصدر، الخطاب)، ليبرِز الشاعر لونه المميز في نصٍّ يحمل تصاوير شعرية جميلة.

من جهة ثانية أشار الناقد حمد السعيد إلى أن العنزي حين جاء بعبارات شعرية مثل (البشوت أحيان محيوكة عذاب)، و(أستهل المنبر بفكرة كلاب)، و(العقول الفارغة مد الذهاب) إنما عبّر عن النَّفَس النخبوي بطرحٍ رمزيٍّ وبتناول الأفكار بنضجٍ، كما الحال في البيت (لا غشى المنبر تهاليل وضباب/ وش بقى؟ لـ الله أكبر يا عليم)، وصولاً إلى البيت (من يغرّه بالعطش زيف السراب؟/ يارد بآخر مشاويره حميم). ووجد السعيد أنه أمام نصٍّ مترابطٍ وواضح، ويدل على تمكّن الشاعر بدءاً من المطلع الذي جاء بصورة شعرية خدمت النص، وحتى الختام المناسب والملائم الذي اختصر جميع ما قاله الشاعر في أبياته.

فيما أشار د. غسان الحسن إلى أن الشاعر يذهب عادة إلى الموضوعات العامة بأسلوبٍ جميل، فيبدأ بالتدّرج في نصه من قضية عامة (بين روح الدين وأعجاز الكتاب/ انبلج فجر فتق صدر العتيم)، ثم يذهب إلى فكرة معينة ليعزلها عن غيرها.

وأضاف د. الحسن أن ليس كل من يعتلي هذا المنبر – أي مسرح شاطئ الراحة – يؤدي رسالة مفيدة، لكن الشاعر يفعل ذلك، وخاصة عندما قال (خطّها من خطّها ريشة غراب/ غلف المعنى أبو قلب لئيم) ليبرز الاسوداد المادي والفكري، و(البشوت احيان محيوكة عذاب/ زريها نار وفتن ليل بهيم)، الذي هو كناية عن أشخاص معنيين أراد الإشارة إليهم الشاعر، أما المطلع والخاتمة فكلاهما جميلين، وحين قال الشاعر (أيها الناس النهاية للتراب/ من رحم ربي يجي قلبه سليم) فقد ذهب لمخاطبة الناس وكأنه على المنبر، وهذا أمر رائع.

مهنا الشمري يخاطب «أمه»

مع نص مليء بعاطفة الفقد؛ يخاطب الشاعر مهنا الماضي الشمري أمه التي رحلت عنه وهو في سن مبكرة، مستحضراً روحها وعيونها وقلبها وحتى غيابها، فقال:

مهنا الماضي الشمري

تدلت لك عناقيد الغلا بقلوب مغلينك

على نبع الحنين الي مداهيله شراييني

يا نور يكسر قيود الظلام الموحشه وينك

فقدتك ما فقدتك لو فقدتك عايشه فينى

تجيني كل ما ضاقت واسولف بيني وبينك

أنا يا ميمتي طفلك مثل ما إنتي تخبريني ضنينك

يا بعد حيي تعب محتاج لحضينك

أبا اغفى ويتساقط كل هم كان مشقيني

سكنت الصمت لو الصمت جاير كله لعينك

ذويت وشيب عيوني رحيلك بأول سنيني

قال الناقد حمد السعيد إن الشاعر إنسانيٌّ ومميز، والصورة الشعرية حاضرة فيما قاله، فالبيت (سكنت الصمت لو الصمت جاير كله لعينك/ ذويت وشيب عيوني رحيلك بأول سنيني) يدل على فقد الأم في سن الطفولة التي عاد إليها الشاعر من خلال البيت الذي قال فيه: (تجيني كل ما ضاقت واسولف بيني وبينك/ أنا يا ميمتي طفلك مثل ما إنتي تخبريني ضنينك).

غير أن الناقد اقترح لو أن الشاعر جعل البيت الثاني أولاً، والأول ثانياً لكان أجمل وأفضل للسياق، كما وجد بعض العبارات غير مناسبة في موضوعها مثل (أسافر للعنى)، (تلوح كل ما تنظر)، وتكرار (لابعد مسافة) و(لابعد مدى)، بالإضافة إلى وجود مفردات لم تخدم النص، ولم تكن متجانسة مع السياق العام مثل (تأبينك، محبينك، يشوفونك).

ثم أوضح د. غسان الحسن أن الموضوع إنساني عام، وذاتي خاص بالشاعر. كما أيّد ما قاله السعيد بشأن البيتين الأول والثاني، علماً أنهما أجمل ما في القصيدة. غير أن الشاعر لكنه لم يحافظ على ذات المستوى في بقية الأبيات، فظهر الكثير من الحشو الذي ورد بقصد الوصول إلى القافية.

كما أشار الحسن إلى بعض النقاط التي أضعفت نص الشمري، مثل (لحضينك) التي تقال – برأيه – للحي وليس للميت، وعبارة (سكنت الصمت) التي وجدها الناقد حشواً، وكذلك (بين نصفيني). وبشكل عام رأى أن بعض الأبيات غير متقنة، وأن الشاعرية غابت عن النص، وهذا الأمر على غير عادة الشاعر الذي تألق منذ بداية الموسم.

من جانبه قال الناقد سلطان العميمي إن القصيدة مؤثرة، غير أن العاطفة غلبت على الشعر، وربما ما يعذر للشاعر أن الموضوع الذي تناوله خاص بأمه التي فقدها. والنقطة الأخرى التي علّق عليها الناقد هي البحر الذي ذهب إليه مهنّا، فالبحر الطويل الذي بنى عليه النص أجبر الشاعر على الحشو الذي من الممكن الاستغناء عنه، خاصة وأنه أثّر على تطوّر المعنى أو الصورة الشعرية، والتي كانت أجملها وأفضلها (تدلت لك عناقيد الغلا)، و(سكنت الصمت).

شعر المجاراة

جارى شعراء الأمسية الشاعر الإماراتي بخيت بن محسن بن حفيظ المزروعي، وهو من مواليد ليوا في منطقة الظفرة، نشأ في بيئة شعرية، وتميّز في الرّديّات، كما شارك في مجلس الشعراء في أبوظبي، وعندما كان الشاعر في عمر صغير ألقى قصيدة حازت على إعجاب الشيخ زايد، فكرّمه عليها.

وحول مجاراة الشعراء للنص الذي قاله الشاعر المزروعي أشارت لجنة التحكيم إلى أن الطريق الذي سارت عليه أبيات الشعراء هو الهلالي، نسبة إلى بني هلال، وهو أقدم الأوزان الشعرية، ويطابق الشعر الفصيح. وحتى تغريبة بني هلال جاءت في أغلبيتها على هذا الوزن الذي ذكره ابن خلدون في مقدمته.

ونظراً لصعوبة ذلك الوزن والدقة التي يحتاج إليها؛ فإن الشعراء قليلاً ما يكتبون عليه، غير أن شعراء الأمسية ضبطوا الوزن وأتقنوه، فأبدعوا وتميزوا من حيث الالتزام بشروط المجاراة، وأظهروا مقدراتهم الشعرية رغم صعوبة الطرق لعدم وجود قاعدة ثابتة لهم.

شعراء الحلقة القادمة

في ختام الحلقة تم الإعلان عن بقية الشعراء الذين سيخوضون المنافسة فيما بينهم خلال الحلقة القادمة، وهم: حسن المعمري من سلطنة عمان، حمد المزروعي من الإمارات، صالح الصخري من الأردن، مشاري الرشيدي ومشعل العنزي ونجم بن جزاع الأسلمي من السعودية، ليختموا بتنافسهم في الأسبوع المقبل المرحلة الثانية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى