نون والقلم

الكتاب من عنوانه

لو كان الأمر يقاس بالأماني والتفاؤل لقلنا إن مشاورات جنيف الثانية التي ستبدأ اليوم بين الشرعية اليمنية والحلف المتمرد الانقلابي برعاية الأمم المتحدة، ستنجح في تحقيق مقصدها. ولأن الكتاب يقرأ من عنوانه فمصير هذه المشاورات سيكون كسابقتها، لأنها تعتورها مشكلات من ناحية الوسيط الراعي والحلف المتمرد الانقلابي.

فالمبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد مثل سلفه جمال بنعمر لا يتولى قيادة المشاورات بالجدية والصرامة المطلوبة، بل يرخي الحبل للمتمردين والانقلابيين على الشرعية، بل ويمتدحهم بأنهم قدموا تنازلات، وأنه ليس بالإمكان الضغط عليهم أكثر. ويتناسى المبعوث الأممي أنه لا يمثل نفسه، أو تدفعه رغبة شخصية في تحقيق إنجاز مجيد يضاف إلى رصيده، فهو في نهاية الأمر يمثل المجتمع الدولي والإرادة الدولية، وهو ليس مطالباً أن يستجدي الحوثيين وأتباع المخلوع علي صالح للقبول بالحوار.
كما أن المبعوث الدولي من واجبه أن يستخدم مصطلحات واضحة لا لبس فيها ولا غموض. فمسمى اجتماع «جنيف – 2» يجب أن يكون واضحاً أنه ليس تفاوضاً، أو تفاوضاً على المفاوضة، ولا مجال فيه للتنازلات المزعومة أو فرض الشروط. فالاجتماع يتم بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي صدر في 14 إبريل/نيسان 2015 تحت طائلة البند السابع عقوبات والمخاطب فيه بالأساس هم الحوثيون وأتباع المخلوع علي صالح.
فقبول المتمردين والانقلابيين بالذهاب إلى «جنيف – 2» ليس تنازلاً، بل امتثال لإرادة المجتمع الدولي، التي نصت في القرار 2216 على مطالبة المتمردين بوقف القتال وسحب الميليشيات من المدن وإخلاء معسكرات وقواعد الجيش وتسليم السلاح المسروق من المؤسستين العسكرية والأمنية ومنظومات القذائف الصاروخية، والتوقف الفوري والكامل عن ممارسة جميع الأعمال المندرجة في نطاق سلطة الحكومة الشرعية وإطلاق جميع السجناء السياسيين والتوقف عن تجنيد الأطفال وتسريح المجندين منهم. إلى جانب الالتزام بالاتفاقيات الموقعة والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وضمان سلامة وانسيابية أعمال الإغاثة وموظفيها، فضلاً عن حظر توريد الأسلحة والذخائر إلى المتمردين وفرض نظام للتفتيش على الشحنات إلى اليمن.
بيد أن الحوثي وصالح المدرجين على قائمة العقوبات يذهبان إلى «جنيف -2» وخلفهما سجل مخزٍ من نقض الاتفاقيات والمواثيق، فقد قبلا بالمبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة ووقعا على وثيقة مخرجات الحوار، وحظي الحوثي شخصياً بضمانات في اتفاقية الأمن والسلام، وانقلبا على الشرعية، وضربا عرض الحائط بالقرار الدولي رقم 2201 بتاريخ 15 فبراير/شباط 2015، ولم يقبلا بتنفيذ القرار 2216 إلا بعد هزائمهما المتوالية والتقدم الميداني للقوات المشتركة للمقاومة الشعبية والجيش الوطني الموالي للشرعية بإسناد من التحالف العربي.
انهزم حلف الحوثي وصالح وانكسرت آلتهما الحربية، وفقدا القدرة على المبادأة وهما في حالة تراجع مستمر، وباتت هزيمتهما الماحقة مسألة وقت، فأرادا بقبولهما الذهاب إلى جنيف الاستفادة، من عنصر الوقت، ما يعني الرغبة الحقيقية في التلاعب بالحكومة الشرعية والمجتمع الدولي.
إصرار الحلف على أن ما تسمى «وثيقة النقاط السبع» يجب أن تكون الأساس للتفاوض ضحك على الذقون وسخرية سمجة من المجتمع الدولي. فالحلف الشرير والغبي لا يملك أن يعتبر وثيقته المزعومة صنواً للقرار 2216. كما لا يملك الحق في التفاوض على اتفاق جديد أو إعادة التفاوض على اتفاقيات قديمة.
وتتحدث الوثيقة المزعومة عن تفاوض وفق آلية، ووقف النار وانسحاب الميليشيات وفقاً لآلية أخرى، وإطلاق سراح المعتقلين وتسهيل أعمال الإغاثة، وعودة الحكومة بما لا يتعارض مع الدستور. وتتناسى الوثيقة حقيقة المخاطب بهذه البنود، فالمتمردون هم الذين انقلبوا على الشرعي، وهم الذين سرقوا السلاح واحتلوا المدن والمقار الحكومية وخرقوا الدستور، واعتقلوا الناس، وسرقوا الاحتياطات النقدية في البنك المركزي.
الحوثي وصالح يريدان أن ينفذا بفعلتهما وأن يضمنا أن يكون لهما مكان في مستقبل اليمن، لكنهما مزقا تذكرتيهما إلى المستقبل، وفقدا الحق في اعتلاء المسرح السياسي مجدداً لأنهما من دون سواهما انقلبا على المواثيق وعرقلا مرحلة الانتقال السياسي وارتكبا جرائم حرب ضد الإنسانية، ولن تكون المشاورات بأي حال من الأحوال مكافأة لهما.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى