- أهم الأخبارنون والقلم

طارق تهامي يكتب: رقصة التطبيع الأخيرة!!

لا لوم على الحكومات العربية التي أوقفت عجلة الحرب بينها وبين إسرائيل، وعقدت معها معاهدات سلام، لمنع التدمير والخراب الذى لحق بها وبمدنها، والقتل والتشريد الذي تعرضت لها شعوبها، والفقر والانهيار الاقتصادي الذي شهدته اقتصادياتها، أو بحثًا عن الهدوء الذي يُنتج بناءً. ولكن لا يمكن الصفح عن أي مواطن عربي، يعمل في أي مهنة، إذا نسى، أو تناسى، الدماء التي سالت على حوائط القدس، أو فوق رمال الحدود في سيناء، أو فوق جبال لبنان، ومرتفعات الجولان في سوريا!!

كان يجب أن يكون هذا هو الدرس الأول الذي يحصل عليه الممثل الملقب بــ«نمبر وان» عندما بدأت قدماه تخطوان نحو النجاح والنجومية منذ سنوات، حتى لا يسقط في خطيئة التصوير والرقص وتبادل الأحضان مع فنان إسرائيلي شهير، ومع لاعب كرة إسرائيلي، وهى صور تدعو للتطبيع المرفوض شعبيًا، من بلد له في كل بيت مُصاب وفي كل عائلة شهيد، سقطوا برصاص إسرائيل وأسلحتها وطائراتها، منذ حرب 1948 مرورًا بعدوان 1956 وعدوان 1967 وحتى حرب تحرير التراب الوطني في أكتوبر 1973.

ولا تسألني من هو الممثل« نمبر وان» لأن نقابة الصحفيين المصريين التي أشرف بالانتماء لها، قررت مساء أمس، عدم نشر اسمه وصورته تنفيذًا لمقررات سابقة لنقابة الصحفيين منذ 40 عامًا برفض كافة أشكال التطبيع الثقافي والشعبي مع إسرائيل، ولذلك يكفينا أن نشير إليه بأنه ممثل «رقصة التطبيع» الصادر ضده قرار نقابي محترم سوف نلتزم به ونؤيده. والتحقيقات التي ستجرى معه في نقابة المهن التمثيلية، لن تغير من الأمور شيئًا.. لأن « نمبر وان» تم ضبطه متلبسًا بالتطبيع، وقد يعود لممارسة التمثيل بحيل قانونية، و لكنه لن يعود للتأثير في الجيل الجديد الذي أصبح يقلده، للأسف.  كما أنه لن يتربع على قمة النجومية في مصر منذ الآن، بعدما أصبح «نمبر وان» في تل أبيب!!

لا تقل لي لماذا هذا التحامل على شاب لم يتجاوز عمره اثنين وثلاثين عامًا، فهو لا يمتلك الخبرة اللازمة لتقييم الموقف، لأنني سأرد عليك، بأن هذا الشاب أصبح نجمًا يُشار له بالبنان منذ عشر سنوات، وأصبح رقمًا سوقيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وشعبيًا، وأخيرًا فنيا، وبلا شك يوجد معه أسطول من المستشارين كانوا يستطيعون تنبيهه لخطورة التطبيع، وحجم رفضه شعبيًا، وأتصور أن هناك من نصحه بالامتناع عن التطبيع.

ولكن يبدو أنه اعتقد أن صورته مع الفنان الإسرائيلي، ثم دفاعه غير المقنع عن نفسه، هو مجرد «شو» يشبه طلعاته الدعائية التي كان يستخدمها للفت نظر الجمهور. ولكنه انتبه بعدما «وقعت الفاس في الراس» أن الهزار تقيل وأن الجمهور الذى يغفر له خطاياه المتعلقة بمشاهد العنف والدم والبلطجة التي انتقلت إلى تصرفات الجيل الجديد، لم يغفر له التطبيع، وهذا قصور في التفكير، لأن معجبيه لن يدافعوا عنه متناسين دماء أقاربهم وأجدادهم وآبائهم وأعمامهم وأخوالهم وجيرانهم، الذين سالت دماؤهم دفاعًا عن هذا الوطن الذى يواجه الأطماع في أرضه منذ احتلال الهكسوس له قبل آلاف السنين وحتى اعتداءات الإرهاب الغاشم على سيناء قبل شهور قليلة ماضية، ولم يدرك «نمبر وان» أن دور المثقف والفنان وصاحب الجماهيرية العريضة، أن يدعو الناس إلى اليقظة، والانتباه، وإلى ترديد نشيد خللي السلاح صاحي!!

ما كان يسعى لفعله «نمبر وان» فشلت أجهزة مخابراتية.. وميزانيات دول في تحقيقه، فالصور والفيديو والأحضان والرقص والانبساط تعنى رسالة للجيل الجديد، الصغير في السن، المعجب بالممثل المصري بأن التطبيع شيء عادى، وأن القدوة «نمبر وان» يلتقى ويحتضن الفنان الإسرائيلي، وهذا لا يمثل مشكلة من أي نوع، ولكن «نمبر وان» فوجئ بأن معجبيه من صغار السن يهاجمونه ويرفضونه تطبيعه ورقصه وأحضانه للفنان الإسرائيلي، وهو ما أصاب «نمبر وان» بصدمة كبيرة، لأن عقله لم يكشف له أن صغار السن هؤلاء رضعوا في بيوتهم مبدأ «التطبيع يصل إلى درجة التحريم» لأن شهداءنا، الذين هم في الجنة بإذن الله، لا يستحقون غسل دمائهم في رمال سيناء بأحضان التطبيع ولا رقصاته، ولكنهم أصحاب حق في رقابنا، وأننا نكتفى بالسلام السياسي، الذي لم نعرف جدواه إلا بعد سنوات طويلة من توقيع المعاهدة.

أما التطبيع الشعبي والثقافي، فهو لا يمكن أن يتم في ظل وجود أرض محتلة في فلسطين، وفي الجولان، ولا يمكن أن يتم مع وجود مشكلات لنا مع كل البلدان التي دخلت في تحالف واضح مع إسرائيل. والأمثلة كثيرة ولا تسمح لنا المساحة بسردها الآن!!

الخلاصة.. أن مؤلفًا مسرحيًا عبقريًا اسمه على سالم، صاحب رواية مدرسة المشاغبين، انتهى مهنيًا وشعبيًا عقب زيارته لإسرائيل، وإعلامي شهير وصاحب شعبية طاغية لدى البسطاء اسمه توفيق عكاشة سقط عند جمهوره لمجرد مقابلته للسفير الإسرائيلي، ونمبر وان انتهت أسطورته لأنه قام باحتضان ممثل إسرائيلي!! هذا هو الدرس.. التطبيع الثقافي مرفوووض.

tarektohamy@alwafd.org

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

 t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى