اخترنا لكدوشة فنية

حنان ابو الضياء تكتب: صينيون يقتلون أطفالهم ويلقونهم في القمامة بمهرجان الجونة!

من الأفلام التي أثارت المشاعر في مهرجان الجونة بدورته الثالثة فيلم (أمة الطفل الواحد)؛ بما فيه من أحداث صادمة؛ وحكايات لا يمكن أن تتحملها المشاعر الإنسانية؛ ويرفضها العقل؛ ولكنها للأسف حقيقية؛ لذلك فاز الفيلم المأخوذ عنها بجائزة لجنة التحكيم الكُبرى للفيلم الوثائقي في الدورة الـ35 لمهرجان سندانس السينمائي، والفيلم من إخراج نانفو وانج وجيالينج جانج، وهو إنتاج مشترك بين الصين، الولايات المتحدة الأمريكية.

الفيلم ينقلك إلى سنوات ماضية حيث تدور الأحداث حول عائلة صينية تعيش في حقبة أمة الطفل الواحد، حينما ألزمت الحكومة العائلات بتقليل الكثافة السكانية عن طريق إنجاب طفل واحد فقط لكل عائلة؛ لذلك كانت العديد من الأسر وخاصة في الريف تتخلص من الطفل إذا كان أنثى، بإلقائه في السوق وفى الغالب لا يقوم أحد بأخذه إلى إن يموت؛ أو يتم إجهاض النساء ولو في الشهور الأخيرة وغالبا يكون الطفل حيا عندما يقذفون به في القمامة، ويكتب على الكيس الذي يحتويه نفايات طبية ..الفيلم بمثابة تأريخ لسياسة «الطفل الواحد»، والأجيال الصينية التي تشكلت بناءً على هذه التجربة الاجتماعية، من خلال شهادات أمهات، وموظفين رسميين، وآباء، ونشطاء سياسيين. تلك السياسة التي استمرت من 1979 إلى 2015، وكانت هدفها الحد من النمو السكاني في الصين وقد فُرضت عام 1979، أي بعد عام من الإصلاحات الاقتصادية.

 وبموجب هذه السياسة تم فرض عقوبات على المخالفين شملت دفع غرامات والطرد من الوظيفة أو مواجهة الإجهاض الإجباري أو الإحصاء؛ أو هدم أسطح المنازل مما أدى إلى أن معدل الإنجاب تدنى بشكلٍ حاد بالفعل قبل عقدٍ من الزمان؛ ورغم أن الصين لسنواتٍ استفادت من الأرباح الديموجرافية التي تمثلت في عدد سكان هائل (نحو خُمس عدد سكان العالم) شكّل مصدراً كبيراً للقوى العاملة؛ وأعداداً معقولة من صغار السن والمسنين والتي غذت النمو الاقتصادي المتسارع، ولكن هذا يختفي الآن سريعاً، وخاصة أن التدخل في عملية الإنجاب يتنافى مع الطبيعة؛ وانخفاض معدل المواليد في الصين بشكل كبير جداً، وبالطبع هذا كان سيؤدى بالبلاد إلى الوقوع في فخ الشيخوخة بسرعة وتأثر المجتمع الصيني سلبا بانخفاض الأيدي العاملة كما سيعاني الاقتصاد ويعاني المجتمع من عدم الاستقرار، مما أدى إلى إنهاء سياسة الطفل الواحد.

لذلك نرى أن بعض النساء الأكبر سناً من اللواتي بلغن الستين من العمر، أكدّن على أنه لو تم إنهاء سياسة الطفل الواحد في وقتٍ أبكر لكُن حاولن الإنجاب حتى وإن في أواخر الأربعينيات من العمر.

الفيلم أظهر تكثيف الدعاية حينذاك لتصبح محيطة بالناس في كل الأماكن؛ رافعة شعار أن  على الصينيين أن يعيشوا لأجل البلاد؛ وأن الفرد لا يتخذ قرار الإنجاب بل الدولة، وخاصة أن الحزب الشيوعي الصيني حين ذاك عقد العزم على تعزيز النمو الاقتصادي، فقرر أن التحكم في عدد السكان هو الحل؛ ثم توالت العواقب المأساوية، فظهرت الملايين من حالات الإجهاض، والتعقيم، وقتل الرضَّع في وقت لاحق.

وبالأرقام الأولية، كانت الخسائر البشرية الناجمة عن سياسة الطفل الواحد أعظم من تلك التي ترتبت على قفزة ماو تسي تونج إلى الأمام، التي أحدثت مجاعة أودت بحياة نحو 36 مليون شخص في الفترة من 1959 إلى 1961. كما تجاوزت خسائرها ضحايا الثورة الثقافية؛ حيث تسببت أعمال عنف سياسي واسعة النطاق في مقتل نحو عشرة ملايين شخص آخرين خلال الفترة من 1966 إلى 1976، أما عن سياسة الطفل الواحد، فإن البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في الصين عام 2013 تشير إلى أن عدد حالات الإجهاض المسجلة في المرافق الرسمية وحدها في الفترة من 1971 إلى 2012 بلغت 336 مليون حالة ــ وهو رقم أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة بالكامل ــ (برغم أن سياسة الطفل الواحد لم تنتهج إلا في عام 1979، فإن سياسات أخرى لتنظيم الأسرة كانت قائمة بالفعل في ذلك الوقت). وللأسف كان هناك أكثر من 13 مليون حالة إجهاض جراحية سنوياً؛ ولا يتضمن هذا الرقم حالات الإجهاض باستخدام العقاقير أو تلك التي تتم في عيادات خاصة غير مسجلة. ولقد كان الإجهاض القسري مروع ويشير إلى المعاناة الإنسانية والعواقب الوخيمة، التي ترتبت على سياسة الطفل الواحد. وللأسف توالت الصدمات البدنية والعاطفية، التي واجهت مخالفي سياسة الطفل الواحد وهم من أفقر سكان .

وعلى القدر نفسه من الخطورة، كانت هناك مشكلة اختلال التوازن بين الجنسين في الصين إلى حد مزعج، فقد أدى تفضيل الأسر أن يكون طفلها الوحيد ذكراً إلى عدد لا يحصى من عمليات الإجهاض الانتقائية تبعاً للجنس، هذا فضلاً عن قتل الرضيعات وهجرهن. ولقد ذكرت مخرجة الفيلم حكايتين الأولى لخالها الذي اخذ طفلته الرضيعة؛ وتركها في السوق لعل احد يأخذها؛ وظلت لمدة يوميا تصرخ بدون أن يقترب منها أحدا؛ لتموت وقدم تجمع فوقها الذباب ..أما عمتها فقد باعت طفلتها لأحد المراكز التي كانت تأخذ الأطفال لتبيعهم لأسر بأمريكا؛ والمحزن أن أحد العاملين في بيع الأطفال أكد أنه كان يوميا يسير بدراجته في الطرق ليأخذ الأطفال الذين تخلصوا من أهاليهم وتركوهم على الطريق بمجرد ولادتهم، ونتيجة لذلك فأن عدد الذكور في المرحلة العمرية من الولادة إلى بلوغهم 24 عاماً يفوق عدد الإناث في المرحلة نفسها بنحو 23 مليوناً، وهو ما يشير ضمناً إلى أن أكثر من عشرين مليون ذكر شابا لن يتمكنوا من العثور على شريكات زواج في العقود المقبلة.

الفيلم الصيني امة الطفل الواحد

والواقع أن الصين هي الدولة الوحيدة في التاريخ التي نجحت حكومتها في استخدام الإكراه فعلياً للحد من الاختيارات الإنجابية لأبناء شعبها، والمفتاح إلى هذا النجاح كان نظام الحزب الواحد غير المقيد والذي يستند إلى بيروقراطية ضخمة وقوية.

جاء إلغاء سياسة الطفل الواحد، التي دامت 35 عاماً، لينتهي بذلك واحد من أحلك الفصول في تاريخ البلاد والتي بدأت في أواخر سبعينيات القرن العشرين، ومع ذلك للأسف أن الصين لم تنهى بعد من الحد من اختيارات مواطنيهم الإنجابية، بل انتقلت  ببساطة من سياسة الطفل الواحد إلى سياسة الطفلين. بكل القسوة التي بلا معنى التي تنطوي عليها مثل هذه التدابير.

 

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى