نون والقلم

السيد زهره يكتب: لكن ترامب لم يخدع أحدا

بالنسبة للبعض، بدت مواقف وتصريحات الرئيس الأمريكي ترامب مؤخرا مفاجئة غير متوقعة بل وغريبة.

نقصد بالطبع بعض المواقف التي عبر عنها الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بقضايا منطقتنا العربية.

هذه المواقف بدأت بإعلان ترامب المفاجئ سحب القوات الأمريكية من سوريا وتبريره للقرار بأن تنظيم داعش تمت هزيمته وأن هذا كان السبب الوحيد للوجود الأمريكي. وارتبط بالقرار ما اتضح بعد ذلك من أن ترامب اتخذه أثناء مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي اردوجان، وانه قال لأردوجان: سوريا لك، أي افعل بها ما تريد.. كأن من حق الرئيس الأمريكي أن يمنح سوريا لمن يشاء.

لكن أكثر المواقف خطورة وغرابة ما عبر عنه ترامب اثناء الاجتماع الذي عقده مع أعضاء حكومته قبل أيام، ودعي اليه عدد محدود من الصحفيين.

في الاجتماع، دافع ترامب عن قرار الانسحاب من سوريا، وقال «اننا فقدنا سوريا منذ وقت طويل». ولم يجد في خسارة سوريا أي شيء يزعج او يقلق. قال ترامب: «نحن لا نريد سوريا». وأضاف: «عندما نتحدث عن سوريا ، نحن نتحدث عن رمال وموت. نحن لا نتحدث عن ثروة كبيرة».

أما أخطر ما قاله ترامب في الاجتماع فهو قوله نصا: «بصراحة بمقدور ايران أن تفعل ما تشاء هناك».

هذه هي المواقف التي عبر عنها ترامب، وهي واضحة تماما ، لكن أخطر ما فيها ليس فقط اعتباره ان سوريا برمّتها لا تعني له أي شيء على الاطلاق، ولكن انه لا يعنيه إطلاقا ما تفعله ايران في سوريا أيا كان.

كان من الطبيعي أن تثير هذه التصريحات جدلا هائلا واستغرابا شديدا في كل الأوساط السياسية والإعلامية داخل أمريكا وخارجها. السبب الرئيسي للدهشة هو أن هذه المواقف تتناقض تماما مع الخطوط العامة للسياسة الأمريكية في المنطقة التي دأب ترامب وغيره من كبار المسؤولين على التعبير عنها منذ أتى للحكم، والتي تقوم في جوهرها على مواجهة ايران والسعي الى إنهاء نفوذها ودورها الإرهابي التخريبي في سوريا والمنطقة كلها، بالإضافة الى التأكيد المستمر على وقوف أمريكا القويّ بجانب حلفائها في مواجهة ايران.

ومع ذلك، حقيقة الأمر ان ترامب لم يخدع أحدا، وأي متابع لمواقفه التي عبر عنها باستمرار منذ مجيئه للحكم سيجد انها ليست مفاجئة ابدا.

الذي يتابع تصريحات ترامب والمواقف التي عبر عنها فيما يتعلق بسياسات أمريكا الخارجية سيجد أن هناك مبدأين أساسيين يحكمان تفكيره السياسي وفهمه لهذا الدور:

المبدأ الأول: ان المال والمنفعة المادية هما العنصر الحاكم الأول للدور الذي يمكن أن تلعبه أمريكا إزاء أي قضية خارجية. بمعنى ان أمريكا ليست مستعدة لأن تلعب أي دور مهم او فاعل ما لم تحصل من وراء ذلك على ما تريد من مال ومصلحة مادية. ترامب تعامل بهذا المنطق مع حلفائه الأوروبيين. وهو نفس المنطق الذي يحكم موقفه الأخير من سوريا، فهو لا يرى أي مصلحة مادية لأمريكا هناك. وتعامل بنفس المنطق كما نعلم مع حلفائه الخليجيين.

والمبدأ الثاني: ان أمريكا ليست مستعدة لأن تخوض أي معركة بالنيابة عن أي أحد، وليست مستعدة للتضحية بجنودها في سبيل أي أحد. ولطالما كرر ترامب القول إن أمريكا لا يمكن أن تلعب أدوارا يجب ان يلعبها الاخرون. وفي هذا الإطار وفيما يخص سوريا مثلا، في تقديره ان الوضع في سوريا يخص دولا عربية وإقليمية هي التي يجب أن تتعامل معه وليس امريكا.

اذن، في اطار هذين المبدأين، تأتي مواقف ترامب الأخيرة متسقة ومتوقعة.

ومع هذا أثارت هذه المواقف انزعاجا شديدا بالطبع وخصوصا لدى حلفاء أمريكا في المنطقة. وهذا السبب بالذات هو الذي دفع المسؤولين الأمريكيين الى التخفيف من وطأة هذه المواقف والتصريحات، باعلانهم مؤخرا مثلا انه لم يتم تحديد اي جدول زمني للانسحاب من سوريا، وعودة الحديث عن الخطر الايراني وضرورة ان تغادر ايران سوريا. وهذا أيضا هو الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي بومبيو الى التخطيط لجولته القادمة لدول المنطقة، لإعادة طمأنة الحلفاء إزاء مواقف أمريكا وأنها لن تنسحب من المنطقة.

لكن يبقى في نهاية المطاف ان المواقف التي عبر عنها ترامب مؤخرا هي التي تعبر حقا عن جوهر سياسة إدارته.

والدول العربية يجب ان تكون ممتنة لترامب، فقد أظهر أقصى ما يمكن ان تفعله أمريكا، وما يمكن ان تذهب اليه في مواقفها وسياساتها. والدول العربية يجب أن ترتب مواقفها وسياستها على أساس ذلك.

نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى