
يساء الفهم.. قصة ألكسندر كابيشيف ترجمة سعاد خليل
هذه القصة حدثت معي في الربيع الماضي. كنت حينها أعمل مساعدا للجنة العلمية في جامعتي. وهي قبولي لعمل في الشركة المصنعة لعربات مترو الانفاق.
كانت مهمتي في هذا اليوم هي فحص العربة رقم 2019، هذا الرقم الذي لفت انتباهي.
كانت المهمة بسيطة جدا، عبارة عن مجموعة من العربات موجودة في مكان التخزين حيث لم يتم فصلها في العشية، لا أعرف السبب. كانت هذه العربات موصولة بقطارات أخري، وهذا ما جعلني أفشل في ايجاد العربة المعنية والتي كان يجب أن اتفحصها وأتأكد منها إذا كانت تعمل أو لا.
منذ بداية هذا الصباح وانا اركض من قطار إلى قطار، ومن محطة إلى محطة. فشلت في العثور على العربة المطلوبة، حتى الموظف الذي يعمل بالمحطة لم يهتم أو يسرع لمساعدتي. وأنا أيضا لم اجرؤ على سؤاله حتى لا سيستغربه.
حسنا، ولكن كيف يمكنني أن اتذكر الغرف الأنيقة؟ التي في العربات الأنيقة؟ بمعني غرف الدرجة الخاصة، عندما تمت الصيانة وإعادة انشاء المتروية حيث كانت مقفلة لفترة فترة ليست قصيرة تم تغيير واستبدال المسارات القديمة ذات اللون الأحمر، استبدلت بخط اخر احادي، ومعلق. لقد تم تنفيذ هذه الإصلاحات لكل الفروع. واصبح المترو يعمل بكل طاقته .
أخيرا وصلت الي عربتي المنشودة كانت في أحدي المحطات المزدحمة في السنتر.. قفزت اليها في الثانية الأخيرة.
رائع! الآن انظر حولك واتبع بعض العلامات. بعدها يمكنك العودة إلى المنزل وكتابة التقرير.
حين وجدت العربة فوجئت بها، كانت تبدو جديدة، نعم.. مازالت رائحة المصنع تفوح منها.. أن حالتها أكثر من جيدة.
ها أنا ذاهب إلى العربة. قلت لنفسي: كان على أن أترك هذه الوظيفة.. ولكن.. على ان أدون الورقة واستمر.. لماذا أفكر الآن؟ وما الفرق؟
أعزائي الركاب سيذهب القطار إلى محطتنا القادمة بدون ان يتوقف، لقد مررنا بعدة محطات.. ثانية وثالثة.. وواو.. القطار ينحدر بقوة.. ماذا يحدث؟ اهتزت العربات.. صرخ الركاب.. سقط أحدهم.. طفل بدأ يبكي في عمق العربة. وانا بالكاد استطعت الوقوف على قدمي.
لقد فهمت ماذا حدث. لقد تحول القطار عن مساره وانعطف الي الجهة الزرقاء، بعد ان تجاوزنا مكتبة ديستويفسكي، ولكن لماذا؟
استغربت.. لا يمكن أن يحدث ما حدث في الرحلات المنتظمة. ربما تحدث هذه الأشياء في الرحلات التجريبية.. بالتأكيد هناك شيء سيء.
لم يعجبني هذا. تذكرت موقف قديم حدث معي عندما كنت في المدرسة، كان هناك حريق في النفق.. وكان الناس يندفعون في حالة من الذعر والخوف من القطارات التي كانت تصل تباعا.
هه.. أخيرا توقف القطار في أحدي المحطات الموجودة على الخط الأزرق، لم اعد أتذكر اسمها، أو التعرف عليها.
كانت المحطة في حالة سيئة كنت على وشك أن أغادر.. ولكن للأسف المخرج الخاص بالمحطة مغلقا ـ عدت الي الخلف. ولكن استوقفني الصوت المعدني الصادر من القطار يقول:
أعزائي الركاب يتعذر على القطار مواصلة السير وذلك لأسباب فنية. بالطبع هذا التنبيه اثار ضجة كبيرة في المحطة. بالنسبة لي لم أبدي اية انفعال بل بقيت حيث انا انظر ألي القطار وهو يزحف ببطء. حتى ابتعد عن الأنظار. عندها قررت ان التفت وانظر حولي.
لم تكن الناصية مزدحمة، فقط بعض الشخصيات التي تبدو مهمة، ولكن، ما لفت انتباهي وجذبني بشكل خاص، وجود ثلاث رجال كبار في السن كانوا يرتدون ملابس تبدو محتشمة، كانت تشبه ملابس المافيا في أفلام هوليود في السنوات الثلاثين.
أحدهم كان أصلع الراس وسمين وقصير.. راني وانا انظر باتجاههم فصرخ في وجهي :
في ماذا تنظر؟ فاشحت نظري بعيدا في صمت. حتى لا احرج هذه الشركة المشبوهة التي اعمل بها.
هناك شيئا ما في هذه المحطة!.. لم اكن هنا منذ كنت طفلا. كل شيء تبدل، الجدران تغيرت، لم تعد المحطة تشبه نفسها، انها مغطاة بالسقالات والجص، اكوام من بقايا البناء. زوايا وسلالم متحركة محظورة، وموقوفة. وسلالم. الثريات القديمة تمت ازالتها، اكشاك الصحف ولوحات المعلومات، كلها ازيلت، الواي فاي ايضا لا يعمل.
هناك شيء اثار اهتمامي، الحفرة الكهفية الموجودة اسفل صورة القائد المعلقة. اعرف انه تم انجاز هذا العمل في الستينات من القرن الماضي اثناء بناء الانفاق، واكتشاف الانمطة للكهوف، ومن ثم تمت تعبئتها بالإسمنت .
ولكن لماذا هي مفتوحة الآن؟
هل تفهم الروسية. ؟ تكلم الرجل البدين بلهجة امرة.. كنت على وشك ان أقول شيئا .. ولكن كان هناك رجل عجوز كانه موجودا اعتقد من أجلي. كان يبدو مستعدا لخوض معركة مع أي شخص.
هل انت معه؟
اجاب الرجل: نعم
– أنا لا اخاطبك… – ارتبك الرجل السمين .
ليس هناك أي شيء.. أهدئ اهدي.. ردد الرجل العجوز وهو يحوطه..
ماذا يجري هنا؟ انضم أصدقاء الرجل السمين.
عندما شاهدت ماذا يحدث وفهمت باني لست انا المقصود، ابتعدت بحذر عن المجموعة دون ان اقول شيئا.
لا اعلم عن ماذا كانوا يتجادلون. كانت اصواتهم عالية ويصدرون ضوضاء …
وبسرعة ضاع صوتهم في صوت القطار القادم.
وكما حدث في القطار السابق الذي اتي بنا، حدث مع هذا القطار.. توقف وانزل السائق جميع الركاب وذهب لحاله.
اما انا فليس لدي شيء افعله. لذلك قررت ان أتمشى على طول الرصيف. حتي اقتربت من الكهوف.
لم تكن الكهوف بشعة كما نراها بالأفلام أو الصور…. اعتقد اني مخطئ … النفق لم يكن نفقًا طبيعيًا، بل كان ذو نظامًا متعرجًا بعدة مداخل… ربما من الناحية التي بجانبي. ربما عاصفة الغلاف الصخري، كل شيء جائز، ولكن مالي انا؟ لماذا ازعج نفسي بالتخيل؟؟
ومرة اخري. قطع حبل أفكاري صوت قطار آخر يقترب.
حسنًا، وأخيرًا، كنت اشعر بالسعادة.. خاصة اني فهمت من خلال الضوضاء التي حولي ان القطار يسير باتجاه مختلف.. وبالطبع هذه علامة جيدة.
القطار يخرج من النفق باتجاهنا. يبدو فارغا. وبدون ان يقف او يعطي أي إشارة مر بنا واختفي في الظلام …وبعد حوالي دقيقتين سمعنا أصوات غريبة خارجة من النفق الذي خرج منه القطار.. لم تكن مزعجة.. كانت تشبه ضحكات ..او عواء ضبع او نوع من الصرير .
من الصعب ان أؤكدها.. مهما يكن الامر. الا ان هذه الأصوات جذبت انتباه كل من كان علي المنصة، وبكل بطء اصطف الجميع علي طول الحافة وهم يتطلعون الي الظلام.. من حيث أتي الصوت.
انا أيضا ذهبت الي الحافة سالت: ما هذه الأصوات؟؟ لا اعرف ماذا. ربما توجد وحوش في الانفاق .. اجابني رجل ضخم يرتدي بدلة رياضية. كان يقف بجانبي .
ماذا تقول؟
يقول كونفشيوس، اعطي لشخص سمكة يتغذى.. واعطي سمكة كبيرة لشخص اخر هو ايضا يتغذى.
ولكن كونفشيوس لم يقل شيئا من هذا. … وبهذا المعنى المطلق! – كنت غاضبا.. حسنا ..
ولكن ! وصول القطار قطع علينا حديثنا .ما هذا ؟ القطار كان قصير جدا .. يتألف من عربتين فقط.. رغم انه كان هادئًا. ولكن فيه شيء لا يطمن ، فيه شيئا من الريبة ..
الركاب يتزاحمون ويحاولون الابتعاد عن نوافذ القطار، ويقومون بإيماءات لإبقائنا هادئين. لقد تم ردنا من السائق بطريقة فنية.. ولم نفهم ما يحدث، ولكننا سكتنا.
وفي الثانية التالية لتضييق الفجوة او المسافة بين القطار والنفق انزلق شيء يشبه القرد او الكلب، يغطي جزء من جسمه الشعر الأسود ، وجزئه الاخر كان من الجلد وله لون وردي ، ومغطى أيضا بالندوب. اما الرأس فهو على شكل بيضاوي كبير! اما العيون فهي غير موجودة … اه. اه.
صرخ الرجل الكبير بجواري.. اما انا فكنت كالمتخدر من الخوف.. مما رايته ومن صرخة الرجل العالية.
لم يصرخ الرجل طويلا، لقد استدار المخلوق بسرعة سمكة مفترسة، وأطاح الرجل من قدميه بمخلبه القوي ـ. ثم سحبه إلى أسفل المنصة. كل هذا والرجل يصرخ.
اشعر بسائل يغمر راسي حتي قدمي. عندما نظرت الي يدي وجدتها مليئة بسائل احمر ..يمكنني الان ان اخذ خطوة الي الخلف دون ان ارفع عيني عما يحدث امامي… وكأنني في فيلم سينمائي ..ما هذا ؟
ظهرت اثنتان اخرين من المخلوقات الغريبة من خارج النفق.. يا الهي بدأت حالة من الرعب الهستيري.. كل من كان يقف على المنصة اندفع بعيدا وهو يصرخ..
أطلق سائق القطار بوقا يصم الاذان وترك القطار ينطلق بأقصى سرعة…
يبدو انه يريد سحق هذه المخلوقات الجالسة على المسارات وتمزيقها. ولكن جاءت ردت فعل سريعة من هذه المخلوقات الغريبة اعادتها الي خط المنصة، وعلى الجدران.. وبينما القطار يمر سريعا – تبعته هذه المخلوقات – ووصلت اليه –وتمكنت من اسقاطه عن السكة الأحادية بقوة مهولة. وسدت مخرج النفق وأوقفت القطار على الجنب.
لقد شاهدت كل هذا بنصف التفاتة فقط.. ولكن صوت هدير القطار وهو ينقلب جعلني التفت الي الوراء مرة اخري.
وسط الحشد من البشر الذي كانوا يحاولون اخذي إلى الكهف من تحت الرأس الحبيبي الضخم. كان النفق يخرج المزيد والكثير من هذه المخلوقات .
رغم الخوف والجنون، مما كان يحدث، وانا مستغرب جاءتني فكرت ان هذه المخلوقات ربما تعيش تحت الأرض ، وليس من الضروري ان تتسلق الكهوف!..
احتاج الي الهواء. احتاج للذهاب إلى السطح. سأذهب الي الجانب الاخر. قفزت خارجا من الازدحام واستدرت لمكان الكهف باتجاه صفا من الاعمدة المغطاة بشبكة من الدروع.. واختبأت خلفها
ركض الناس الي الكهف وتبعتهم تلك المخلوقات الغريبة ولم اري ما حدث للقطار.
ركضت ببطء في الممر الواسع ودخلت الي الباب المفتوح لاحدي الغرف الفنية.. كانت الأضواء مضاءة وأغلقت الباب بهدوء …وبدأت ابحث عن فتحة التهوية متذكرا الأنماط والتخطيطات اللانهائية.
كنت محظوظا، لقد وجدت المدخل دون صعوبة كبيرة .
انني اسمع أصوات غريبة تصدر من مكان بعيد.. كان اهم ما يشغلني هو رغبتي في الركض. صعدت الي السلم تاركا كل شيء ورائي.
ها انا هنا على السطح.. ازحف خارج حفرة التهوية الرمادية.. هناك حركة كبيرة في الخارج سيارات تجري، ناس يركضون ، صفارات الانذار . وكأني لا اري او اسمع شيئا.
اني اتدحرج واسقط علي ظهري.. السماء فوقي عالية وزرقاء لا توجد فيها أي سحابة .. وبالنظر اليها. أبدو كأني اعلو، واصعد الي الأعلى .