مكرم محمد أحمد يكتب: الشيخ زايد
لا أظن أن حاكما ًعربياً تميز بالفراسة والحكمة وبُعد النظر والواقعية، والقدرة على الحلم والتخيل، وحُب الخير للناس والمعرفة الدقيقة لأقدار الأمم والشعوب، والغرام الشديد باللون الأخضر يسود لون الصحراء الأصفر ويهزمه مثل الشيخ زايد آل نهيان مؤسس دولة الإمارات الحديثة الذى يكاد يكون بالفعل عملاً أسطورياً فذاً، أنهى شقاق الإمارات المتحاربة ووحدها فى كيان اتحادى، وثيق المصالح والروابط، وأنشأ على أنقاض ذاك الانقسام وطناً فريداً فى علاقاته بمواطنيه تقوم على تكافؤ حقوق المواطنة دون تمييز فى الجنس أو العرق أو الدين، متسامحاً منفتحاً، يقبل الآخر ويعترف بحقوقه، لا مكان فيه للتعصب والكراهية والعُزلة، يؤمن بأن الله خلق شعوب الأرض من طينة واحدة، وجعل من اختلافها قوة كى تتعارف وتتآخى وتتبادل المنافع والمصالح وتنشر العمران والتقدم على كوكبنا الأرضى.
ولا أظن أيضاً أن حاكماً عربياً أغدق على شعبه مثلما أغدق الشيخ زايد، وبنى فوق هذه الفيافى والقفار مُدناً للناس هى حدائق غناء ومتاحف للعمارة العصرية تبرز كل صور العمران على كوكبنا وبهجة للناس والعالمين يتمتع فيها الجميع دون تمييز بالأمن والسلام والاستقرار.
ومن المؤكد أن الخليج بعد الشيخ زايد شهد هذا التسابق لإعمار الأرض ولتحقيق رفاهة المواطن، كما أصبح هذا الهدف شاغل كل حُكام الخليج وربما يسبقه زمناً حُكام الكويت لكنه كان أسوة حسنة للجميع لم ينفق الشيخ زايد أيا من أموال بلاده على الحروب والمنازعات، ولم يكن يقصد أبداً توطيد نفوذه ومكانته الشخصية، لكن حب الخير هو الذى دفعه إلى أن يمد يد العون لكل دولة عربية فقيرة، أقام المدارس والمعاهد والمستشفيات فى كل بلاد العرب، وأنفق الكثير على تعليم البنات، وبنى مدناً وأحياء تحمل اسمه فى كل أرجاء العرب، ليصبح أيقونة العرب، الجميع يحبونه ويجلونه دون أن يختلف عليه عربى واحد..، كان الشيخ زايد عروبياً قومياً ينتصر لكل قضايا العرب وأولاها القضية الفلسطينية، وكان سنداً قوياً لكل مشروعات التنمية فى العالم العربى، أما حكايته مع مصر فهى حكاية عطرة ومجيدة تلخص معانى الحب والأخوة والتقدير وتمتلئ بأمثلة الشهامة والوفاء، لا يفوق روعتها حكاية أخرى، لذلك يسكن الشيخ زايد قلوب كل المصريين مسلمين وأقباطاً، لا تستطيع أن تستثنى من ذلك مصرياً واحداً.
ساند الشيخ زايد رحمه الله مصر بكل قوة فى حربها المجيدة عام 73، وأعانها على إزالة آثار هزيمة 67 وتعويض قدراتها العسكرية، وأيد الملك فيصل رحمه الله فى ضرورة استخدام سلاح البترول، ولايزال الجميع يذكر كلماته: لا يمكن للبترول العربى أن يكون أغلى من دماء المصريين، وكان لديه إيمان عميق بمصر والمصريين، وعندما دعا صدام حسين إلى مقاطعة مصر بعد رحلة الرئيس السادات إلى إسرائيل وهدد القادة العرب بالقتل فى مخادعهم إذا لم يمتثلوا لأوامر المقاطعة، كان الشيخ زايد يرى أن خسارة العرب سوف تكون أكبر، وأن الحكمة تقضى بغلق هذا الباب فى أسرع وقت، لأن العرب فى غيبة مصر يفقدون كل شىء، كما أن مصر يمكن أن تخسر بعض مكانتها، لكنها تظل كما كانت أبد الدهر هى مصر، كان حب الشيخ زايد لمصر جارفاً وكان تقديره للرئيس السادات عالياً، وكان حبه للرئيس مبارك عظيماً، ومن المؤكد أن هذا الحب العميق لمصر انتقل إلى أولاد الشيخ زايد، الذين درجوا جميعاً على حب مصر، ابتداء من رئيس الدولة الشيخ خليفة إلى ولى العهد الشيخ محمد بن زايد الذى تربطه علاقات تطابق فى الفهم والتفاهم مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، جعلت الاثنين وكأنهما كما يقول المصريون (فوله وانقسمت اثنين).
رحم الله الشيخ زايد فى ذكراه العاطرة أبداً، وأبقى على هذا الحب الكبير الذى يربط بين مصر والإمارات وبين الشعبين العظيمين اللذين يحرسان قوة هذه العلاقات وعظمتها.