- أهم الأخباراخترنا لكالأخبار

مصر و سوريا.. حلم الوحدة يتبدد

كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يحلم بتوحيد الدول العربية تحت راية واحدة؛ لتكون صخرة وحائط صد تحتمي الدول العربية خلفها في مواجهة أي عدوان عليها. وفي ذلك الوقت كانت سوريا أول المشجعين لجهود ناصر، وهو ما مهد لفكرة إقامة محور مصري سوري مناهض لتحركات الغرب وعملائه ضد الدول العربية.

أول وحدة عربية في القرن العشرين

في سبتمبر عام 1957 بدأت بوادر الوحدة العربية بين القاهرة ودمشق تتجلى، وذلك عندما احتشدت القوات البرية التركية على طول الحدود السورية؛ في محاولة منها لإسقاط الحكومة اليسارية في سوريا، حينها أرسل عبد الناصر بعض الوحدات المصرية إلى سوريا كعرض رمزي للتضامن، وهو ما رحبت به الأخيرة، ودفعها إلى إرسال وفد إلى ناصر؛ للمطالبة بوحدة فورية مع مصر، فأرسل ناصر أسطولًا مصريًّا يضم بضع ناقلات للجنود وثلاث مدمرات، وصلت إلى ميناء اللاذقية السوري في 13 أكتوبر 1957.

هذه الخطوة المصرية أوضحت للعالم أن القاهرة لن تسمح بترك سوريا نهبًا للمؤامرة العالمية، وأن استقلال سوريا من استقلال مصر ، وهو ما مهد لإقامة جمهورية عربية مشتركة بين الدولتين بمطلب شعبي، وليس بضغط خارجي أو تدخل عسكري أو طغيان سياسي، حيث تعالت الأصوات فى سوريا للمطالبة بالوحدة مع مصر، لكن زعيم الأمة اشترط أن يتم إجراء استفتاء شعبي؛ حتى يكون القرار شعبيًّا جماهيريًّا وليس نخبويًّا سلطويًّا.

في 22 فبراير عام 1958، ومن قصر القبة، وبحضور الرئيسين السوري شكرى القوتلى، والمصري جمال عبد الناصر، تم الإعلان عن إقامة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا؛ لتكون المرة الأولى في القرن العشرين التي تتحد فيها دولتان عربيتان، وتشتركان في حكومة واحدة، واختير عبد الناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وتم وضع دستور تفصيلي مؤقت للبلدين، وتقرر تأليف مجلس نيابي واحد للبلدين. وفي 6 مارس من نفس العام أصدر الرئيس عبد الناصر بدمشق قرارًا جمهوريًّا بتعيين أربعة نواب لرئيس الجمهورية، وتعيين عشرين وزيرًا من الإقليم الجنوبى “مصر”، و14 من الإقليم الشمالى “سوريا”.

الحلم يتبدد

اجتازت هذه الوحدة طريقًا محفوفًا بالمؤامرات والأعمال العدائية، حيث انتقدتها العديد من الدول الغربية، وانضمت لها بعض الدول العربية، التي شعرت بالقلق على نفوذها. ومع كثرة المؤامرات والعراقيل، انتهت تجربة الوحدة في ٢٨ سبتمبر عام ١٩٦١، بعد وقوع انقلاب عسكري في دمشق، انتهى بإعلان قيام الجمهورية العربية السورية، والموافقة على استعادة عضويتها في الجامعة العربية والأمم المتحدة كدولة مستقلة، بينما أبقى الرئيس الراحل عبد الناصر على تسمية الجمهورية العربية المتحدة، كتسمية للدولة المصرية حتى عام 1971؛ في إشارة منه إلى أنه رغم قبوله بالانفصال، إلا أنه سيظل متمسكًا بحلم إعادة الوحدة.

حرب أكتوبر.. هدف مشترك

خلال حرب أكتوبر عام 1973، عاد التضامن العربي بشكل فعال، خاصة بين سوريا ومصر، فكانت الجمهورية السورية من أوائل الدول العربية التي انتفضت لمساعدة مصر ضد إسرائيل، حيث خاض جيشا البلدين الحرب جنبًا إلى جنب على جبهات مختلفة، فبالتزامن مع اندلاع الحرب في سيناء، اندلعت معركة أخرى لا تقل ضراوة في هضبة الجولان، وبناء على اتفاق بين البلدين، هجمت المقاتلات السورية على مواقع للجيش الإسرائيلي، وشارك في الهجوم قرابة 100 طائرة سورية، كما فتحت ألف مدفعية فوهة نيرانها على الوحدات والقوات الصهيونية لمدة ساعة ونصف، لتنطلق وحدات وقطاعات الجيش السوري عبر الجولان، وبالتزامن مع اختراق القوات المصرية لخط برليف، كانت القوات السورية قد اخترقت خط آلون على الجبهة الأخرى، وصولًا إلى مشارف بحيرة طبرية، مكبدة القوات الإسرائيلية خسائر فادحة.

علاقات سياسية باردة

بعد حرب أكتوبر مرت العلاقات المصرية السورية بمراحل عدة، سادت فيها أجواء مختلفة ما بين الشد والجذب والبرود السياسي، لكن العلاقات بين البلدين ظلت مستمرة وراسخة، وهو ما شهدته الفترة ما بين عهدي الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن مع صعود الرئيس المعزول محمد مرسي إلى سدة الحكم، تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق، خاصة بعد مؤتمر “نصرة سوريا” الذي أقامه المعزول وأنصار جماعة الإخوان المسلمين في استاد القاهرة يونيو عام 2013، والذي أعلن فيه قطع العلاقات الدبلوماسية نهائيًّا مع دمشق، ونادى بإسقاط النظام.

السفارة لا تزال مغلقة

بعد قيام ثورة 30 يونيو، بدأت السياسة المصرية الخارجية تجاه سوريا تأخذ منحنى مغايرًا بعض الشيء، بدأت ببرقية تهنئة أرسلها الرئيس السوري بشار الأسد إلى عبد الفتاح السيسي عقب توليه الحكم، وهو ما تبعه عدة قرارات سياسية وخطوات تقارب، كان أهمها ظهور وزير الخارجية السوري وليد المعلم على التليفزيون المصري أغسطس الماضي، وهو اللقاء الذي عبر فيه عن أمله في عودة العلاقات مع مصر إلى طبيعتها، وتحدث عن تعاون أمني قد يكون مقدمة لعودة العلاقات بين البلدين، وسبق هذا اللقاء بأيام قليلة حديث مطول أجرته إحدى الصحف المصرية القومية مع المعلم أيضًا.

هذا الحديث تبعه زيارة قام بها رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك للعاصمة المصرية في أواخر شهر أغسطس الماضي، التقى فيها الرئيس السيسي وعددًا من كبار المسؤولين في الجيش والاستخبارات المصرية، وفي ذات الوقت أشار الرئيس الأسد في لقاء مع قناة المنار اللبنانية إلى أن العلاقات بين البلدين تحقق التوازن في الساحة العربية، كما أن سوريا تجد نفسها في خندق واحد مع الجيش والشعب المصريين في مواجهة الإرهاب، الأمر الذي عكس مؤشرات حول عودة الصفاء في العلاقات المصرية السورية قريبًا.

وعلى الرغم من تطورات المشهد السياسي بين القاهرة ودمشق خلال الأشهر الماضية، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تعد حتى الآن بشكلها الكامل، رغم الحملات الشعبية التي طالبت بعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين سوريا ومصر، وهو الأمر الذي يثير كثيرًا من التساؤلات حول عدم إقدام النظام المصري الحاكم على اتخاذ هذا القرار.

حلم الوحدة يتجدد

تطورات المشهد الراهن في منطقة الشرق الأوسط  تؤكد أن التقارب بين البلدين أصبح ضرورة لحلحلة الأزمة، فضلًا عن أن هناك عدة تحديات وأخطار تتقاسمها الدولتان معًا، سواء من ناحية مكافحة الإرهاب الذي انتشر في مصر واستفحل بسوريا، أو معاداة بعض الدول الإقليمية التي تسعى إلى التدخل في شؤون البلدين، وعلى رأسها تركيا وقطر، أو التقارب مع بعض الدول الأخرى، وعلى رأسها روسيا، أو تلاقي وجهات النظر حيال العديد من القضايا التي تمس الأمن القومي للبلدين، إضافة إلى أن التلاحم بين الجيشين المصري والسوري يعزز فكرة إعادة الوحدة بين البلدين.

زر الذهاب إلى الأعلى