نون لايت

مختارات من قصص صناع الأمل في العالم العربي

منذ إطلاقها مطلع الشهر الجاري، نجحت مبادرة « صناع الأمل »، التي تندرج ضمن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. حتى اليوم، تلقت مبادرة «صناع الأمل» أكثر من 50 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم.

سعياً لمشاركة الناس هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.

القصة الأولى:

ملايين الأشجار لعروبة فلسطين

رزان زعيتر زرعت مليوني شجرةودعمت أكثر من 23 ألف مزارع لتصون الأرض

 

«يقلعون شجرة… نزرع عشرة»” تحت هذا الشعار انطلقت حملة قادتها مهندسة أردنية المواطنة فلسطينية الجذور من عائلة عريقة. حملة المليون شجرة في فلسطين كانت البداية للمهندسة رزان زعيتر في العام 2000. وهي حملة شعبية نفذت مع شركاء في داخل وخارج فلسطين لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية التي تم تدميرها واقتلاع شجرها والعمل على إيقاف مصادرتها.

لم تكتف زعيتر بهذه الحملة فكانت نواة لتأسيس المنظمة العربية لحماية الطبيعة في العام 2003 كمنظمة غير ربحية، وذلك بهدف المساهمة في الجهود المبذولة لحماية البيئة العربية والتنسيق مع كافة الهيئات والمنظمات العربية والدولية لتحقيق هذه الغاية. ونجحت المنظمة منذ أن أبصرت النور ولغاية اليوم بزراعة أكثر من مليونين و100 ألف شجرة في فلسطين.

رزان ومن خلال رئاسة مجلس إدارة المنظمة أطلقت العديد من المبادرات ومنها برنامج «القافلة الخضراء» لدعم الأمن الغذائي في المناطق المهمشة في الأردن وذلك نظراً لما تعانيه المملكة من ضيق المساحات الخضراء والتي يهددها التصحر والرعي الجائر والزحف العمراني، إلى جانب رفع الوعي البيئي لدى طلبة المدارس وخصوصاً بأهمية الأشجار والغطاء النباتي.

كما أطلقت زعيتر برنامج «السيادة على الغذاء» للتأثير بالسياسات والاستراتيجيات الزراعية على المستوى الاقليمي والدولي. ويعنى البرنامج في التعريف بحق الجميع في الحصول على طعام صحي ومفيد وملائم وعلى مصادر إنتاجه والقدرة على إدامته للمجتمع.

إلى جانب ذلك أسست زعيتر وتترأس الشبكة العربية للسيادة على الغذاء والتي تضم 49 منظمة واتحاد يعنى بالفلاحة والبيئة من 17 دولة عربية وتهدف إلى تدعيم الصوت العربي الموحد في المنابر الإقليمية والدولية المتخصصة.

زعيتر ومن خلال جهودها وجهود المنظمة أسهمت في دعم 23.398 مزارع على مساحة أرض تمتد على 112.386 دونم. إن تخضير الأرض وحماية الطبيعة واستدامة الموارد الغذائية أهداف نبيلة لا تؤثر فقط على واقع أرض وشعوب، بل تجسر لمستقبل مفعم بالأمل لأجيال قادمة لم تبصر النور بعد.

قد يسأل البعض ما سر الأمل في صمود فلسطين في وجه احتلال استعماري غاشم عمل على تهجير شعب واقتلاع الأخضر واليابس لطمس معالم تاريخية لأرض تضم زيتونة مباركة ضاربة جذورها في عمق تاريخنا العربي والإسلامي. الجواب بسيط يلخص في كلمة واحدة هي «الإرادة والأمل».

القصة الثانية:

من مقالة جامعية إلى مشروع عالمي

«ادفع دينارين واكسب الدارين»… ينجح بتعليم 2500 طالب ويبني 6 مدارس

 

قد يستهزأ البعض بفكرة بسيطة، ولكن قد تكبر هذه الفكرة ليتمنى الجميع لو أنهم تبنوها منذ بداياتها. هكذا وصفت سمية محمد الميمني مشروع (ادفع دينارين واكسب الدارين) الذي أطلقته بين طلبة جامعة الكويت كمشروع شبابي تعليمي تطوعي عالمي.

البذرة كانت مقالة صحفية كتبتها الميمني عندما كانت طالبة، دعت من خلالها طلبة الجامعة أن يساهموا شهريا بدينارين فقط لبناء المدارس للفقراء حول العالم. رحب البعض واستهزأ البعض الآخر، ولكن فئة قليلة شجعت وآمنت بالفكرة. وعندما عرضت المشروع على أكبر مؤسسة خيرية بالكويت وهي الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وبعد تبنيها لفكرة المشروع ودعمها لوجستيا، فقد انطلق المشروع فعلياً في العاشر من أكتوبر لعام 2010، بجهود تطوعية شبابية عملت على غرس مفهوم قليل دائم خير من كثير منقطع.

منذ إطلاق المشروع بدأ الشباب في دولة الكويت يتوافدون عليه بأعداد كبيرة ويساهمون بشكل شهري ثابت بمبلغ دينارين، وبدأ العمل على تنفيذ رؤية المشروع بإنشاء 5 مراكز تعليمية في 5 قارات مختلفة بالعالم خلال 5 سنوات. وكانت رسالة المشروع تقديم أول نموذج خيري فريد من نوعه من قبل شباب الكويت لطلبة العالم.

ونجح المشروع في إنجاز معهد الدارين في الصين الذي يضم 900 طالبة، وثلاثة من مدارس الدارين في إندونيسيا تضم 1100 طالب وطالبة، ومدرسةالدارين بالسودان وتضم 500 طالبة، ويجري حالياً العمل على إنجاز مدرسة الدارين السادسة في جمهورية ألبانيا والتي ستكون مخصصة للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

تسمية المدارس والمعاهد بالدارين جاءت لتعكس توجه المتطوعينبعمل يكسبهم خبرات ومهارات في الدنيا والأجر للآخرة. والمتبرع يعطي ليبارك الله له في ماله بالدنيا ويكسب الثواب في الآخرة. والمشروع اليوم يضم عشرات الشباب الذين آمنوا بالعمل الانساني والتطوعي بعيداً عن الجمود والتقليد.

كما أن الشباب المشاركين في هذا المشروع وأغلبهم من طلبة الجامعة أبدوا همة عالية وطموحات كبيرة بغية تعليم الفقراء والأيتام. وخلال الأعوام السابقة عملت سمية محمد الميمني التي تتولى حالياً مسؤولة العلاقات العامة في مكتب العمل التطوعي والإغاثي للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية على تنظيم العديد من الرحلات الخيرية لوضع حجر الأساس لمدراس الدارين وافتتاحها ثم تقديم دورات وورش عمل تدريبية لطلابها من خلال فريقها التطوعي.

واليوم ظهر جلياً بأن بضعة مئات آلاف من الدنانير التي جمعت خلال السنوات الماضية عبر طلبة الجامعات أكدت غلبة الخير وتنامي مشاعر المحبة والأحاسيس الإنسانية بمعاناة الآخر، وكرست لمفهوم التعاون الإنساني من خلال النظر إلى أحوال الفقراء والمحتاجين. وأكدت بأنه لا يأس مع الحياة. فالأمل موجود دائماً في قلب وعقل كل مؤمن بغد أفضل.

القصة الثالثة:

ساندت طلبتها ولخصت مناهج الدراسة ودعمت مريضاً في صراع الموت

ويس سكينة مربية أجيال ملهمة أنارت الدرب لطلبتها وزميلاتها بصفاتها الإنسانية النبيلة

 

في العام 1966 أبصرت السيدة «ويس سكينة» النور في بوتليليس إحدى بلديات ولاية وهران لتشق طريقها في مهنة بناء الأجيال. هي زوجة وأم لأربعة بنات لم يمنعنها عن أداء واجبها الإنساني ولم يسهمن إلا مزيداً من الإصرار في مساعدة الآخرين، فمدت يدها المتشبعة بالعلم والمعرفة لتساعد أطفالاً هم بحاجة لدعم تربوي وتعليمي متميز.

أمتهنت سكينة صناعة الأمل من خلال مساعدة الطلبة عبر إعداد وتوزيع ملخصات موجزة في مادة العلوم لكافة التلاميذ المقبلين على امتحان شهادة التعليم المتوسطلتنجح في جمع المعرفة بشكل مختصر يسهل على الطلبة الخوض في تفاصيل كثيرة وعديدة. كما عملت سكينة على تنظيم تمارين نموذجية وحلها مع التلاميذ لضمان إكسابهم أكبر قدر من المعلومات يؤهلهم إلى تجاوز المرحلة التعليمية بنجاح.

وتجاوزت سكينة ساعات العمل الرسمية لتنفذ مراجعة عامة للمادة خارج نطاق التدريس حتى يتسنى للغائبين استدراك الدروس الضائعة التي فاتتهم نتيجة لعلة أو مرض أو ظروف قاهرة وبما يضمن مواكبة أولئك الطلبة لأقرانهم وأن لا يكون الغياب القسري سبباً في تدهور تحصيلهم العلمي.

وبعيداً عن جدران قاعات الدراسة وأسوار المدرسة فتحت سكينة أبواب منزلها لتشرف على تدريس أحد الطلبة المعتل بمرض سرطان الدم، وهو المرض الخبيث الذي ألقى بظلاله على هذا الطفل المسكين وجعل مقعده شبه شاغر على مدار العام الدراسي فالعلاج الكيميائي قد يعطيه أملاً في الحياة ولكن بعيداً عن الكتب والعلوم، وهنا لم يفقد الطالب الرغبة في الاستمرار والكفاح ولم تفقد معه سكينة سمة المعلمة والأم لتعطيه دروساً استثنائية تمكنه من قهر مرضه وتعطيه أملاً في استكمال حياته لما بعد التعافي.

وبعيداً عن الطلبة كانت سكينة أداة عون لزميلاتها الجدد، فكل معلمة جديدة حلت في مدرستها كانت تحتاج إلى دعم نفسي ومعنوي في مهنة تتطلب صدراً يتسع لما بعد السماء. ساعدتهن وكانت خير صديق تطوع لتثبيت الأساتذة الجدد في مناصبهم في جميع التخصصات الدراسية.

سكينة تعمل أستاذة في مادة علوم الطبيعة والحياة بمتوسطة 19 مارس، حاملة لشهادة الكفاءة في التدريس برتبة أولى عام 1988 وشهادة ليسانس في العام 2013 برتبة أولى. وإحدى المشرفات على تحدي القراءة العربي في جمهورية الجزائر في الدورة الأولى لعام 2016.

أن تكون معلماً هي شهادة كافية لتزرع الأمل مع كل شعاع نور ينبثق في صباح يوم جديد. فكيف الحال عن الحديث عن أم وزوجة وصديقة ومبدعة في حقل هو وحده من يمكن أن يخرج البلاد والعباد من عتمة الجهل إلى مدارك المعرفة ونور الخير والرخاء.

 اصنع أملاً… اصنع فرقاً

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى