نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: وداعاً باجي قايد السبسي

سوف يقف التاريخ طويلاً أمام شخصية الرئيس التونسي الراحل باجى قائد السبسي.. هذا الرجل الذي يعد علامة بارزة ورائداً في مجال التنوير والديمقراطية.. فهو أول من دافع عن الديمقراطية التونسية وعن مدنية الدولة وأصر على أن تكون المواطنة هي أساس الدولة منذ أن قاد البلاد عقب هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن على خوفا من المظاهرات رغم قوة قبضته الأمنية على تونس.
 تولى «السبسي» مسئولية الحكومة في فتره انتقالية قاد فيها البلاد إلى طريق الأمان ونجح في فرض الاستقرار وسلم السلطة إلى التحالف اليساري الإخواني الذي فاز في انتخابات المرحلة الانتقالية الثانية.

وأدت تصرفات هذا الثنائي المغرور إلى إعلان الرئيس السبسى عن خوضه انتخابات الرئاسة على رأس حزبه نداء تونس الذي جمع وقتها كل القوى الليبرالية في تونس وفاز باكتساح على مرشح تحالف اليسار الإخوان.. وقاد البلاد وسط أزمات اقتصادية كبيرة ما زالت قائمة، ولكنه نجح في التخفيف من آثارها.

الباجي قايد السبسى هو شخصية ليبرالية تؤمن بالعلمانية وبالدولة المدنية، وهو ذو فكر سياسي يؤمن بالديمقراطية إيماناً حقيقياً، وليس شعارات يرفعها ويفعل غيرها، واستفاد من أخطاء رفيق دربه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي تحول إلى ديكتاتور رغم وجهه العلماني الليبرالي.

وكان شجاعاً عندما أعلن عن مساواة المرأة بالرجل في الإرث، وأعلن رفضه لفكرة المرجعية الدينية للبلاد، وأجبر البرلمان على إقرار قانون يحقق هذا الفكر وأجبر أدعياء الدين من جماعة الإخوان التي يمثلها حزب النهضة على الصمت والموافقة على القانون وكشف زيفهم وخداعهم للناس باسم الدين.

والسبسى وراء قرار حكومة يوسف الشاهد بمنع ارتداء النقاب في المؤسسات الحكومية، قرار شجاع وقوى ولا يستطيع أي حاكم أو حكومة اتخاذ مثله، ولكن شجاعته جعلته يطبق القرار على الجميع، فمن حق الناس أن تعرف من الموظف أو الموظفة التي يتعامل معها حتى أن أخطأت يجب محاسبتها ويسهل الإبلاغ عنها.

تونس في عهد السبسى أصبحت منارة للديمقراطية في غرب إفريقيا وأصبح التو انسه يتمسكون بالخيار الديمقراطي وبحرية الإعلام والصحافة وحرية الرأي والتعبير رغم الأحداث الإرهابية التي حاولت عرقلة المسيرة ولم يتخذها حجة لتقييد الحريات العامة، بل دافع عن الديمقراطية والحريات بقوة في مواجهة دعاة العودة للخلف، ودعاة تقديم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحقوق المدنية والسياسية، فهو رجل قانون يعلم أن الحريات كتلة واحدة يجب أن تطبق بدون أي تجزئة.

الرئيس «السبسي» سيظل نموذجاً للقادة العرب الذين سوف يذكرهم التاريخ وسيظل نموذجا فهو من قال في أبريل الماضي «إنه لا يرغب في الترشح مجددا للانتخابات الرئاسية المقررة أواخر سنة 2019» رغم أن الدستور كان يسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثانية، وترك الباب مفتوحاً للأحزاب والشخصيات المستقلة للتقدم للانتخابات المقبلة رغم تمرير البرلمان لقانون تمييزي يمنع شخصيات محددة من الترشح.

غداً ستودع تونس رئيسها المنتخب الأول الذي صارع الأمواج رغم العراقيل التي كانت توضع في طريقه من قوى سياسية معروفة.. الرجل الذي أصر على أن يكون رئيسا لكل التونسيين ونجح في التوازن بين القوى رغم حالة الانشقاقات في حزبه من أطراف محسوبة على جهات ودول خارج تونس.

رحم الله الرجل وندعو الله أن يجازيه على حسن أعماله، ونتقدم إلى الشعب التونسي ومناصري الديمقراطية في هذا البلد بخالص العزاء، ونسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.

زر الذهاب إلى الأعلى