نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: المعونة الأمريكية والفساد

منذ تولّي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، أصبح من المألوف أن يصدر يوميًا سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى إلغاء العديد من القرارات والسياسات السابقة.

ومن بين تلك الأوامر، برز القرار المتعلق بهيئة المعونة الأمريكية، حيث يسعى ترامب إلى إخضاعها لرقابة صارمة وتحقيق شفافية في أعمالها، مكلفًا رجل الأعمال إيلون ماسك بمراجعة أنشطتها التي شهدتها العقود الماضية.

هيئة المعونة الأمريكية، التابعة لوزارة الخارجية، هي جهة حكومية تأسست بهدف تقديم دعم للدول الحليفة في مجالات متعددة مثل التعليم والمساعدات الإنسانية والعلمية.

وقد ساهمت هذه الهيئة خلال عقود في تمويل مشاريع تعليمية مثل المدارس التجريبية في مصر، والتي انتهى تمويلها مع الوقت لتحل محلها مدارس التعليم الفني. بالإضافة إلى ذلك، كانت الهيئة تقدم تمويلًا لمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية والإقليمية.

قرار ترامب بمراجعة عمل هيئة المعونة الأمريكية يبدو منطقيًا، خصوصًا وأن أداء الهيئة قد حاد عن أهدافها الأصلية. فبدلًا من أن تصبح أداة لدعم المجتمعات وتطويرها، تحولت إلى مصدر للفساد وسوء الإدارة.

قبل ثورة 25 يناير في مصر، كانت هناك انتقادات كبيرة حول كيفية تعامل المعونة الأمريكية مع المجتمع المدني، حيث انحصرت تعاملاتها مع أشخاص محددين كانت تُفتح لهم الخزائن للحصول على التمويل، بينما تم تجاهل العديد من المنظمات الأخرى.

على الجانب الآخر، أكثر من 60% من مخصصات دعم المجتمع المدني كانت تُنفق على مصاريف إدارية ورواتب وبدلات سفر وإقامة لموظفي الهيئة، بالإضافة إلى ما كان يتم إنفاقه بطرق مشبوهة بعيدًا عن الرقابة.

فيما يتعلق بتعامل المعونة الأمريكية مع الحكومة المصرية، فقد كان هناك اتهام باستخدام الأموال الممنوحة كمصدر منفعة للمسؤولين عن المشاريع أكثر من تحقيق أهداف ملموسة. مشروع تحسين صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو مثال واضح على ذلك؛ حيث أُنفقت أموال لإنشاء صحف وقنوات إعلامية في البلدان العربية، لكنها لم تستمر باستثناء عدد قليل منها.

وعلى الرغم من وجود هيئة المعونة الأمريكية في مصر منذ عام 1977 وصرف الولايات المتحدة ما يُزعم أنه يقارب 40 مليار دولار كمنح ومساعدات، إلا أن هذه الأموال لم تترك أثرًا تنمويًا واضحًا في مصر. إذا كان من شيء يمكن ملاحظته، فهو انتقال بعض المستفيدين من هذه الأموال من حالة الفقر إلى الثراء الفاحش على جميع المستويات.

ما يقوم به ترامب حاليًا في مراجعة ملف المعونة عبر التحقيق في الأموال المصروفة دون أي أثر إيجابي يُعد خطوة جادّة لكشف الفساد الذي قد يتخذ أبعادًا فضائحية حين يتم الإعلان عن نتائج هذه التحقيقات.

ويُذكر أن هناك أطرافًا عدة تسعى إلى عرقلة دور إيلون ماسك في هذا الملف من خلال النزاعات القضائية وغيرها. ومع ذلك، فإن نشر نتائج التحقيق المتوقع قريبًا قد يثبت صواب قرار ترامب بإعادة النظر في دور الهيئة بل وربما إغلاقها تمامًا.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى