لغز حماسة العرب لترامب !
وجّه المدون الساخر كارل شارو رسالة «من العالم العربي إلى أميركا» نشرت في مجلة «بوليتيكو» بيّن فيها أوجه الشبه بينها وبين الأنظمة العربية. انطلق شارو من التظاهرات الغاضبة التي واكبت تنصيب الرئيس دونالد ترامب وأعمال الشغب التي رافقتها واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، وصولاً إلى السجالات حول حجم المشاركين في التنصيب تارة والتظاهرات الاحتجاجية طوراً، ولم يغفل الاتهامات بتدخل أجهزة الاستخبارات في السياسة وتورط جهات أجنبية في الانتخابات. كل هذه المظاهر كانت حتى الأمس القريب غريبة عن الانتخابات الأميركية، إلا أنها بلا شك تقاليد مألوفة في البلدان العربية وسمة بارزة من يوميات ديمقراطياتها الهشة.
حقاً، كانت الانتخابات الأميركية بنسختها الأخيرة تشبهنا كثيراً. «الدولة العميقة» التي اتهمها ترامب بمحاولة إطاحته، هي من ثقافتنا السياسية العربية، وتكليف الجنرالات مناصب وزارية تجربة مستنسخة عن حكومات عربية دأب فيها رجال أقوياء ببذلاتهم العسكرية ومناكبهم العريضة المزينة بالنجوم، على إحاطة زعيمهم. وأما الحملة الشعواء التي يشنها ترامب على وسائل الإعلام فهي للأمانة أقرب إلى الحرب التي يشنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الصحف «المتآمرة» عليه.
لكنّ هذا التشابه الكبير بين أميركا وبيننا ليس سبباً كافياً للارتياح اللافت الذي يسود العالم العربي إلى الرئيس الجديد على خلاف القلق الذي يساور العالم أجمع من الإدارة الأميركية الجديدة. لغز ذلك الارتياح يكمن خصوصاً في اقتناع لدى الزعماء العرب، الحلفاء لأميركا منهم والخصوم أيضاً، بأنه أياً يكن الرئيس الأميركي، فهو لن يكون أسوأ من باراك أوباما! وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير واضحاً في قوله إن «مصالحنا تتلاقى» مع «الخطوط العريضة» للإدارة الأميركية الجديدة، وخصوصاً في ما يتعلق بـ «احتواء إيران والقضاء على داعش». أما الرئيس السوري بشار الأسد فرأى فيه تجسيداً لحلم يراوده منذ ست سنوات، وهو أن يكون «حليفاً طبيعياً» لأميركا في مواجهة الإرهاب الدولي.
تراهن دول الخليج تحديداً، على ترامب لكبح جماح إيران في المنطقة ووضع حد لتدخلها في الدول العربية، وهي ترى أن معارضة ترامب الاتفاق النووي يرد لها الكثير من الاعتبار، بعدما ضحى أوباما بعلاقات تاريخية بينها وبين أميركا لمصلحة اتفاق تعتبره مجحفاً.
ليس الخليجيون متوهمين بالتأكيد بأن ترامب سيذهب إلى حد تمزيق الاتفاق النووي، إلا أنه يُظهر، أقله حتى الآن، عزماً على وقف استفزازات طهران في المنطقة، وهو ما طالما تطلعت اليه دول الخليج في السنوات الثماني الأخيرة. لكنّ المقلق أن شخصاً كترامب لا يمكن التنبؤ بما سيفعل، فهو قادر على صب الزيت على النار المضطرمة أصلاً بتغريدة واحدة، فكيف سيتصرف الزعماء العرب المرحبين به إذا قرر حقاً نقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس؟