لا حل في الأفق لأزمة قطر
عاد نهاية الأسبوع وفد أميركي ترأسه المبعوث أنتوني زيني من الخليج ومصر وسيلحقه وفد آخر يقوده صهر دونالد ترامب، جاريد كوشنر، قبل نهاية الشهر لإنعاش حظوظ التسوية إنما من دون تمخض أفق للحل عملياً في الأزمة القطرية.
فمع دخول الخلاف الشهر الثالث، ما من مؤشرات على نضج مسار الحوار ولا على ردم الهوة الشاسعة بين الدول الأربع والدوحة. لا بل يمكن القول إن حدة الهجوم والتراشق الإعلامي ازدادت في الآونة الأخيرة، وخصوصاً في واشنطن حيث وقعت قطر عقوداً جديدة مع مجموعات ضغط، وزادت التسريبات من صحافيين محسوبين على الدوحة لرسائل السفير الإماراتي يوسف العتيبة الالكترونية بعد أن جرت قرصنة الحساب منذ شهرين ونصف الشهر. ومن الطرف الآخر، اجتاحت الإعلانات التلفزيونية المنددة بسياسات قطر الشاشات الأميركية ومواقع الأخبار الالكترونية الأبرز في واشنطن.
الجانب الأميركي يدرك اليوم حجم التعقيدات، وهو غير متفائل بتسوية شاملة قريبة. زيارة زيني ومعه مساعد الخارجية تيموثي لينديركينغ لم يكن الهدف منها الوصول الى حل، بل تحريك عجلة الحوار وحصد حوافز من قطر تتعلق بمراقبة تمويل الإرهاب والوجود الدفاعي في الخليج تمهيداً لإطلاق حوار بين الأطراف. إنما حتى على هذا المستوى المتواضع، لم يحدث الجانب الأميركي اختراقاً بعد وهو يعول على الطرف الكويتي وزيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى واشنطن خلال ثلاثة أسابيع لإمكانية جمع الأطراف.
تعقيدات الحل تكمن في عمق الخلاف والذي يتخطى نطاق التغطية الإعلامية ومواقع إخبارية محسوبة على هذا الطرف أو ذاك. جذوره أعمق من ذلك وتطاول الاستقرار الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي، ودور مخرب ينسبه البعض الى قطر في دعم جهات دينية وسياسية تهدد هذا الاستقرار. مصادر مطلعة في واشنطن تقول إنه إذا توقف هذا الدعم، من السهل عندها تحريك عجلة المفاوضات وأن الدوحة تعرف بالأسماء والمناطق والمجموعات من البحرين الى المملكة العربية السعودية الى مصر وليبيا من يصله هذا الدعم.
في الوقت ذاته، إحداث تغيير في هذه السياسة لا يمكن أن يتم من دون تحول جذري في استراتيجية قطر الخارجية والتي اعتمدت طوال عقدين ونصف العقد على نهج بناء جسور وتواصل مع حركات دينية او مسلحة أحياناً خارج الحكومات لشراء نفوذ. هذا التوجه جعل قطر لاعباً مفيداً لبعض الدول الغربية في الوصول لحركة طالبان التي فتحت مكتباً في الدوحة، والى حركة «حماس» وربما قريباً الى جبهة النصرة وأحرار الشام التي تتلقى دعماً قطرياً وفق وزارة الخزانة الأميركية أنما جاء على حساب الدول التي نشأت فيها هذه الحركات. هذا لا يعني أن هذه الحركات لا يمكن أن توجد وتنجح عسكرياً وسياسياً من دون قطر.
المشكلة اليوم أن ترابطات الأزمات باتت وثيقة ومتصلة وتهدد البيت الخليجي. فخطر «جبهة النصرة» ليس محصوراً بسورية، والاستقرار بات الأولوية الأولى لواشنطن ودوّل في المنطقة بعد مخاض الربيع العربي واقتراب انقضاء مرحلة «داعش». من هنا فإن دعم مجموعات او رجال دين في دول خليجية تتم قراءته كتجاوز لخط أحمر في أمن هذه الدول. ولذلك بات يرتبط الخلاف بإعادة رسم الصورة الإقليمية في شكل يقوي الحكومات والأنظمة ويضعف الحركات المسلحة وهو أمر يتعارض بجوهره مع عقيدة السياسة الخارجية القطرية التي تعطي أولوية لبناء شبكة نفوذ سياسية واقتصادية تجعلها وسيطاً ومؤثراً أكبر من حجمها الجغرافي.
أوراق الحل لهذه العقد لا تملكها الوساطة الأميركية والتي يمكنها المساعدة في وضع جهاز رقابة أفضل لمكافحة تمويل التطرّف او تقوية البنية الدفاعية للخليج وليس أكثر. أما التناقضات السياسية بين الأطراف وإعادة رسم الاستراتيجية الخارجية لقطر في شكل ينسجم أكثر مع أمن مجلس التعاون هو في يد الدوحة بالتنسيق مع دول الجوار. ومن دون هكذا تحول لا يمكن الحديث عن أي تسوية قريبة للأزمة او عن بنية متعاضدة دفاعية او اقتصادية لمجلس التعاون الخليجي في هذا الظرف.