
غادرت مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم بجسمي فقط بينما بقيت روحي هناك تحلق في أرجاء هذا المكان العطر، فالأرواح دائما ما تتعلق بمن تحب وتهوى ولا سلطان عليها ولا يتحكم فيها إلا باريها، وليس هناك مكان أفضل ولا أرحب للروح من جوار رسول الله صل الله عليه وسلم، حيث السكينة، الهدوء، الطمأنينة، والسلام النفسي والقلبي.
غادرت مدينة الحب بجسدي متجها إلى مدينة الوحي، حيث أول بيت من بيوت الله.. بيت الله الحرام.. الكعبة المشرفة، الكعبة المعظمة، والتي يعد النظر إليها في حد ذاته عبادة عظيمة، فكما ورد أن النظر إلى ثلاثة أشياء عبادة، فالنظر إلى الوالدين بحب وحنان عبادة، والنظر في المصحف الشريف للقراءة والتدبر عبادة والثالث، النظر إلى الكعبة المقدسة، من أعظم العبادات، ولذا استن الدعاء عندما يقع نظرك عليها أن تدعو باللهم زد هذا البيت مهابة وتشريفا وتعظيما، وتحية بيت الله الحرام طواف حول الكعبة، أرأيت تعليمات وتشريفات مثل هذا.
وحقيقة إن للكعبة مهابة ليست لمكان غيره، فعندما يقع بصرك علي الكعبة تجد في قلبك شيء من الهيبة والإقبال وهو إقبال مختلف، وتصبح أنت غير الذي كنت عليه من دقائق، تندفع بشدة نحو هذا المكان العجيب، الذي لولا الإيمان ما كان له هذه الهيبة والحب.
بدأت منتويا العمرة، ولا تحدثني عن الزحام فهو في مثل هذه التوقيتات شيء طبيعي، ولكن حدثني عن أناس كبار السن، وبلغ منهم الشيب مبلغه، أو سيدة قد وهن عظمها، وبدت وكأنها مقبلة على الوداع، إلا أنها عند الطواف، تدب فيها الحياة والشباب وتبدأ رحلتها الإيمانية، وكل ما يشغلها هو مواصلة الدعاء من أطهر وأرجى مكان على الأرض، والمؤكد أن ما صعد من هنا بهذه المواصفات مصيره هو القبول، والاستجابة لا محالة.
ساعات قضيتها في بيت الله الحرام لأداء المناسك انتهت مع تباشير صباح يوم جديد، نأمل أن يرزقنا الله فيه قبول الطاعات وأن يوفقنا سبحانه إلى عمل صالح خالصا لوجهه الكريم.
خير الكلام: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:96- 97].
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت : (يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل، فهو مسجد) متفق عليه.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
In -t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر ولينكدإن لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية