- أهم الأخباراخترنا لكنون لايت

قصة موائد الرحمن تحمل في طياتها ملامح من روح التضامن والتلاحم الاجتماعي

مائدة الرحمن هو اسم يطلق على طاولة إفطار جماعية تقام خلال شهر رمضان لإطعام الصائمين، وهي عادة تنتشر في العديد من المجتمعات الإسلامية. غالباً ما تُخصص هذه الموائد للفقراء والمحتاجين، لكنها أحياناً تكون حلاً طارئاً للذين لا يُتاح لهم الوصول إلى منازلهم عند حلول وقت الإفطار.

 

وفي مصر، تُعتبر موائد الرحمن رمزًا مميزًا للشهر الفضيل، حيث تزين الشوارع وتعكس روح التكافل والتراحم بين الناس.

 

**الجذور التاريخية لموائد الرحمن:**

يُرجّح البعض أن فكرة هذه الموائد بدأت مع الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أقام مأدبة للوفد القادم من الطائف أثناء فترة إقامته في المدينة المنورة. لكن الشكل المعروف لموائد الرحمن في العصر الحديث يرجع إلى فترة لاحقة.

 

بحسب كتاب “دليل الأوائل” للدكتور إبراهيم مرزوق، فإن أول من أطلق هذا التقليد في شهر رمضان كان الخليفة العزيز بالله الفاطمي. وفي أيامه، كانت الموائد تُقام بجوار جامع عمرو بن العاص، حيث كان مطبخ القصر يُعد يومياً 1100 قدر من الطعام لتوزيعها على المحتاجين خلال شهر رمضان.

 

**دار الفطرة وسماط الخليفة:**

تشير المصادر التاريخية إلى أن موائد الرحمن في البداية كانت تُعرف باسم “دار الفطرة”، وتقع خارج القصر. وأوضح الدكتور عبدالرحيم ريحان، خبير الآثار، أن هذه الفكرة تعود إلى الولائم الرسمية التي كانت تُعرف بـ “سماط الخليفة” في عهد الدولة الفاطمية. القصر الشرقي الكبير شهد الكثير من هذه الأسمطة التي كانت تقام خلال شهر رمضان، العيدين، مولد النبي عليه الصلاة والسلام، وخمسة موالد أخرى متعلقة بأهل البيت.

 

وخلال العصر المملوكي في مصر، زاد الحكام من تنظيم هذه الموائد التي أصبحت جزءًا من مظاهر رعاية الفقراء، حيث كان يتم توفير رواتب إضافية وأطعمة خاصة لفئات المجتمع المختلفة. ومن أشهر ما كان يتم توزيعه خلال شهر رمضان الحلويات كالقطايف والكنافة.

 

**الأوقاف الخيرية واحتفالات عيد الفطر:**

لم تقتصر موائد الرحمن على شهر رمضان فحسب؛ بل امتدت إلى عيد الفطر. حرص الواقفون على تخصيص كميات كبيرة من الكعك والتمر والبندق وتوزيعها على المحتاجين لتمكينهم من مشاركة فرحة العيد. وقد استمرت هذه التقاليد في تقوية الروابط داخل المجتمع وخلق أجواء احتفالية.

 

**الروايات التاريخية والمصادر المختلفة:**

هناك اختلاف بين الروايات حول أصل موائد الرحمن؛ فبعض المصادر تشير إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي أقام مأدبات رمضانية في حدائق قصره، بينما تذكر أخرى أحمد بن طولون كأول من أقام مائدة رحمن في مصر عام 880م. ومع تعاقب الزمان، اختفت هذه الظاهرة لفترة قبل أن تعود للظهور مجددًا.

 

**إحياء المائدة في العصر الحديث:**

في القرن العشرين، انتعشت موائد الرحمن مرة أخرى تحت رعاية بنك ناصر الاجتماعي الذي نظم موائد إفطار بجانب الجامع الأزهر، استفاد منها آلاف الصائمين بتمويلٍ مستمد من أموال الزكاة.

 

**توسيع نطاق الموائد:**

ولم تقتصر موائد الرحمن على المسلمين فقط، إذ شهدت مصر أول مائدة إفطار قبطية عام 1969 بحي شبرا. قام القمص صليب متى ساويرس بتنظيم مأدبة جمعت المسلمين والمسيحيين في حي شبرا، ومنذ ذلك الوقت تطورت وانتشرت المبادرة لتصبح مشهداً شائعاً في شوارع وميادين مصر.

 

تمثل موائد الرحمن اليوم إرثاً ثقافياً واجتماعياً يعكس قيم التعاون والتضامن، وهي امتداد لتاريخ طويل من العطاء والعمل الخيري المتجذر في ثقافة الحضارات الإسلامية المختلفة.

المصدر
العربية نت
زر الذهاب إلى الأعلى