الأخبار

في الذكري الـ85 أبرز محطات أسد الصحراء

«إننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن، وليس لنا أن نختار غير ذلك، إنا لله وإنا إليه راجعون».

«نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل المقبل والأجيال التي تليه.. أمَّا أنا، فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي».

هذة مقولات  «عمر المختار» الذي يوافق اليوم  الذكرى الـ«85»لاستشهاده  بطل الجهاد الذي وهب حياته فداء للتراب الليبي واستشهد وهو يصارع الاستعمار الإيطالي، ففي مثل هذا اليوم من العام 1931 م أعدم الغزاة الطليان المجاهد عمر المختار شنقا في منطقة «سلوق».

ولد السيّد عُمر بن مختار بن عُمر المنفي الهلالي «أسد الصحراء» و«شيخ الشهداء»،  في جنزور إحدى المدن الليبية في 20 أغسطس 1862، وهو ينتمي لإحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة، هو قائد أدوار السنوسية في ليبيا، وأحد أشهر المقاومين العرب والمسلمين.

نشأته

لم يعايش عمر المختار والده فكان صغيراً عندما توفى الأخير أثناء قيامه برحلة الحج وعهد قبل وفاته إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني، بأن يبلغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد، وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققًا رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية السنوسية فى صحراء «جغبوب» ، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي، ، وقد انضم كعادة أهل ليبيا إلى الحركة السنوسية، وقد لمح فيه زعيم الحركة محمد المهدي الإدريسي نبوغًا وتقدمًا فجعله شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، واصطحبه معه في رحلته إلى السودان وهناك سلّمه مشيخة زاوية «كلك» حتى سنة 1321هـ، حيث رجع إلى برقة مرة أخرى.

أسد الصحراء

[bctt tweet=”كان أول بروز لعمر المختار في ساحة الجهاد سنة 1329هـ” via=”no”] عندما احتل الطليان بنغازي، إذ أبدى صنوفًا من الشجاعة والبطولة في جهاد الأعداء ولفت إليه أنظار الناس هناك، وأصبح هو قائد المجاهدين في إقليم برقة بعد انسحاب العثمانيين منها بضغط من أوروبا، وقد جعل عمر المختار مدينة «سحات» في الجبل الأخضر مقرًا لقيادته، ومنها حقق عدة انتصارات على الأعداء، مما جعلهم يفكرون في هجوم شامل على الجبل الأخضر ولكنهم هزموا شر هزيمة كما هزموا عند محاولتهم احتلال “فزّان”.

إلى أن حدثت تغييرات سياسية في نظام الحكم في إيطاليا، وجاء الحكم الفاشي بقيادة «موسوليني» الذي عيّن حاكمًا جديدًا على ليبيا هو «بونجيوفاني» ووضع تحت تصرفه جيشًا ضخمًا يقوده جزار إيطاليا «جرازياني» يعاونه اللواء «بادوليو» الذي أحب أن يتفاوض مع القائد عمر المختار ليتعرف على معنوياته وطريقة تفكيره وأجرى مفاوضة معه وسأله: ما هي الشروط التي تضعونها للمصالحة مع حكومة إيطاليا؟ فأجابه عمر المختار: ألا تتدخل إيطاليا في أمور ديننا وأن تخرج من بلادنا، فعرف بادوليو أنه إمام مجاهد كبير لن يرجع أو يجلس على مائدة المفاوضات العقيمة التي لا تحقق نصرًا ولا تحرر أرضًا أبدًا، وإنه جهاد نصر أو استشهاد.

محاكمته

وعلى الرغم من تحقيق الطليان تقدمًا كبيرًا في ليبيا بعد أن ضربوا الحركة السنوسية في عقر دارها «جغبوب» بمساعدة إنجلترا، واستولوا على معظم الأراضي الليبية، ولكن بقي عمر المختار يجاهد ويقاتل على الرغم من سنوات عمره التي جاوزت السبعين، وبينما كان يستطلع مع خمسين من فرسانه قوات العدو في «سلنطة» فوجئ بقوات ضخمة للعدو، ودارت معركة غير متكافئة، استشهد خلالها معظم فرسانه، وأخذ المختار أسيرًا بعد إصابته بجروح وفي البداية لم يتعرفوا عليه، وعندما تأكدوا منه، نقلوه بسرعة إلى «سوسة» وسجن أربعة أيام.

وفي 11  سبتمبر 1931، بينما كان المختار، يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه، أرسل الإيطاليون قوات لحصاره والإيقاع به، ورجحت الكفة للعدو فأمر المختار بفك الطوق والتفرق، وقُتلت فرسه وسقط، ولم يتمكن من تخليص نفسه أو تناول بندقيته، وسرعان ما تمت محاصرته وحملوه إلى بنغازي، وأودع السجن الكبير في «سيدي أخريبيش».

عقدت للمختار محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت،عندما ترجم له الحكم، قال الشيخ «إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف… إنا لله وإنا إليه راجعون».

اعتقاله

وفي صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، واحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.

وفوجئ غراتسياني بالخبر أثناء استجمامه في باريس؛ فعاد إلى ليبيا من فوره في 14  سبتمبر، وطلب إحضار المختار إلى مكتبه، ودار بينهما حوار سُجلت كلمات عمر المختار التي نطق بها ردّا على المحتل الإيطالي بأحرف من نور في تاريخ العرب المسلمين الناصع، حيث قال: “نحن لا ننهزم، ننتصر أو نموت”.. تماما كما سجلت صولاته وجولاته في مقارعة المستعمر على الصفحات المضيئة نفسها من تاريخنا المشرف.

وأعلن قائد الحملة الإيطالية عن انعقاد «المحكمة الخاصة» الصورية- في 16 سبتمبر 1931، وصدر الحكم بالإعدام شنقًا، وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً وضع حبل المشنقة في عنقه، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى