نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: محاور التنمية والتحول الاقتصادي

مؤكد أن تحذيرات مجلس النواب للحكومة في بداية انعقاد جلساته منذ أسبوعين، كان لها مردودها الإيجابي في نفوس عامة الناس، وإن اختلفت التعليقات حول أسباب تأخر المجلس في القيام بدوره الرقابي.. لكن المهم أن المجلس تحرك وكشر عن أنيابه للحكومة، كما أشرت الخميس الماضي حول أهمية دور مؤسسات الدولة والتلاحم الوطني في بناء مصر الحديثة من خلال العلم وترسيخ دولة القانون.. وكانت فحوى هذه المقالة هي مضمون خطبة الجمعة الموحدة في شتى أرجاء مساجد مصر، وهو أمر ينم عن تفاعل وطني لمؤسسات الدولة، ويؤكد أن علي رأس وزارة الأوقاف وزيرا ونخبة من العلماء علي قدر المسئولية والوعي بأهمية التنوير وإعمال العقل ودور الوزارة العام في ترسيخ قيم العدالة والعمل والعلم، وترسيخ سلوكيات الحب والتسامح والتضامن وغيرها من القيم التي كانت سببًا أساسيًا في تقدم وتحضر دول الغرب وغيرها من الدول التي عاشت حروبًا وصراعات وواجهت ظروفًا أصعب بكثير مما واجهته مصر في الفترة الأخيرة.

من هنا بات واجبًا علي مجلس النواب أن يستمر في ممارسة دوره الرقابي الفعال على الحكومة.. ليس هذا فحسب، وإنما يجب على لجانه المتعددة التي تضم خبراء في بعض المجالات أن تفعل دورها في اقتراح المشروعات والخطط، وأن تستعين بخبراء من خارج المجلس إذا لزم الأمر لوضع أهداف محددة تلتزم الحكومة بتنفيذها في الأوقات المحددة، وتحت أعين ومتابعة المجلس للإسراع بعملية البناء والتنمية والحداثة التي يتطلع إليها المصريون جميعًا.. أيضًا علينا أن نتوقف أمام تجارب بعض الدول التي كانت تتشابه وظروف مصر، واستطاعت أن تبنى نفسها وتحقق معدلات نمو عالية والتحول نحو الحداثة والتطور رغم أن بعض هذه الدول لا تملك المقومات التي تملكها مصر.

فواقع مصر من حيث الجغرافيا والتاريخ والموارد البشرية، يؤهلها لقفزات اقتصادية هائلة من خلال ثلاثة محاور أساسية أولها قطاع السياحة الذي تمتلك مصر كل مقوماته الأساسية، ولم تستغله مصر بالشكل الأمثل حتى الآن، رغم أن كثيرا من الدول الأجنبية تحقق من الحضارة المصرية عائدات كبيرة منها الدول الأوروبية مثل فرنسا واستغلالها لمتحف اللوفر والجناح الذي يضم الآثار الفرعونية، وكذلك بريطانيا من خلال متحف لندن الذي يتصدر مدخله حجر رشيد وآلاف القطع الفرعونية وألمانيا.. نفس الأمر في متحف المترو بوليتان في نيويورك وغيرها من المتاحف العالمية التي زرتها وضربتني الدهشة من حجم الآثار الفرعونية بها، واصطفاف الطوابير من شتى الجنسيات لإلقاء نظرة علي هذه الحضارة.. أما الجديد هو استخدام الصين للآثار الفرعونية علي صناعتها وترويجها في شتى دول العالم ومنها مصر نفسها.. وللأسف نحن أرض وأصحاب هذه الحضارة التي تقف شاهدة علي عجزنا حتى الآن من تحويلها إلي أهم مصادر الدخل القومي حتى لو استدعى الأمر أن نجعلها هدفا قوميا من خلال رؤى وأفكار جديدة وتشريعات وقوانين لحماية السائحين والمناطق السياحية، وبحث إمكانية طرح بعض الأماكن الهامة إلى شركات دولية متخصصة على غرار بعض الفنادق العالمية الكبرى.. ولا يجب تعليق شماعة الفشل علي حالة الاستقرار.. فواقع الأمر يؤكد وبالشهادات الدولية أن مصر على رأس الدول المستقرة وهى واحدة من الدول القليلة التي يتمتع فيها السائح والمواطن بالتجول في شوارع القاهرة وغيرها من المدن طوال الليل، إضافة إلى البنية الأساسية لكل عوامل الجذب السياحي، وعلينا أن ننظر إلي دول مثل فرنسا وإسبانيا التي تشكل السياحة بهما أعلى مصادر الدخل القومي ولم تتأثر ببعض الأعمال الإرهابية أو أعمال الشغب علي اعتبار أن السياحية لديهما تمثل أمنا قوميا.

أما المحور الثاني فهو التحول الحقيقي نحو الصناعة، وتحديدًا الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وهو أيضًا محور مؤهل لتحقيق نجاح هائل على اعتبار أن مصر أحد الأسواق الكبرى وتمتلك الأيدي العاملة خاصة أن 65٪ من سكانها يندرج تحت شريحة الشباب، وتضطر إلى الهجرة للخارج، ومؤكد أنهم ينتظرون الفرصة لتحقيق أحلامهم داخل وطنهم، والأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية وتكاتف مؤسسات الدولة ووضع خطة كاملة تبدأ من المدن الصغيرة والمراكز وتحديد أماكن بها للصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر.. بينما تصبح عواصم المحافظات للصناعات المتوسطة على أن تكون هناك شركة قابضة مختصة بهذا الأمر، وأن يكون لديها مركز للتدريب بكل محافظة لتأهيل كل من يرغب في العمل وتسلم ورشة صغيرة أو مصنع بالشراكة مع الدولة الممثلة في الشركة القابضة.. وهنا أتوقف أمام رؤية رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد عندما كان في زيارة الريف المصري وشاهد إزالة بعض التعديات على الأراضي الزراعية وتعجب من الأمر وقال الفدان الواحد يحتاج إلى أربع أيدٍ عاملة.. بينما إذا أقيم عليه مصنع يستوعب أربعة آلاف عامل وعائدات أيضاً مئات الأضعاف، وأضاف مهاتير محمد أنه يمكن فرض رسوم على البناء على الأراضي الزراعية طبقاً لنوع النشاط إذا كان صناعيا أو تجاريا أو سكنيا ومن عوائده يتم استصلاح أراض جديدة بدلاً من إهدار هذه الثروة.

أما المحور الثالث وهو محور مرتبط بجغرافية مصر وموقعها الاستراتيجي.. فيرتبط مع المحور السابق، بحيث يمكن تحويل مصر إلى مركز تجارى عالمي حيث لم تحقق فيه مصر حتى الآن سوى رسوم قناة السويس.. صحيح هناك محاولات جادة لتحويل منطقة القناة إلى مركز تجارى عالمي باعتبارها بوابة إفريقيا من خلال اتفاقيات التجارة مع كل دول القارة وإحياء مشروع النقل النهري إلى بحيرة فيكتوريا، وأيضاً الطريق البرى من الإسكندرية حتى جنوب إفريقيا بالتعاون مع الصين واستغلال هذه الجغرافيا في ربط إفريقيا مع أوروبا وآسيا من خلال مصر.

نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى