
عبد العزيز النحاس يكتب: قضايا جدلية وعبثية
قبل أكثر من قرن قادت مصر حركة النهضة والتنوير في العالمين العربي والإسلامي، وامتد التأثير المصري إلى قلب أفريقيا، وكانت مصر بحكم الحداثة والتطور التي عرفتها في حقبة محمد على وما بعدها هي الدولة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، وعرفت القاهرة بأنها قبلة ومنارة الشرق التي تهفو إليها العقول والقلوب لتحقيق الطموحات والأحلام في شتى المجالات العلمية والثقافية والفنية والأدبية.
وباتت القاهرة عاصمة الجمال والشعر والأدب والفنون والموضة وأيضاً السياسة، وشهدت الصحافة المصرية ازدهارًا إلى حد أن عدد الصحف المصرية بلغ 160 صحيفة لها تأثير كبير في مصر سواء سياسيًا أو اجتماعيًا باعتبارها على رأس وسائل التنوير للأمة في هذا الوقت، وكانت تزخر بقامات فكرية وثقافية وأدبية وسياسية منهم العقاد وطه حسين والحكيم والتابعي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم الكثير.
وكانت الصحافة بها ما يجذب المواطن ويستحق المتابعة سياسيًا واجتماعيًا وغيرها من الأخبار والمعلومات والمعارك الفكرية والأدبية التي تواجه شتى أشكال الغزو الثقافي، وعندما انطلق التليفزيون المصري في بداية الستينيات، احتلت القناة المصرية المرتبة الرابعة عالميًا تأثيرًا وجذبًا للمشاهدة، وتحولت إبداعات الأدباء المصريين إلى أعمال درامية جذبت المشاهد العربي وشكلت جزءًا من ثقافته.
والمؤسف أن بعض المنتسبين إلى الإعلام أو يعملون فيه باتوا جزءًا من معاول الهدم في المجتمع، إما بسبب المال والعمالة لبعض الجهات الخارجية، أو بسبب الجهل والإفلاس الفكري وجنون الشهرة والترند التي تجعلهم يضلون الطريق ويوجهون سهامهم إلى رموز الأمة وأهم روافد قوتها الناعمة من خلال إثارة قضايا جدلية وعبثية، كما يحدث من حين لآخر مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف صاحب المؤهلات والدرجات العلمية والثقافية والفكرية واللغوية التي لا ينازعه فيها أحد باعتباره كان رئيسًا لأقدم جامعة في العالم، والأهم أنه بحكم- وظيفته- وإمامته للأزهر الشريف وهو موقع رسمي له تقديره في العالم، وتقدير خاص في العالم العربي والإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي، وتتعامل معه بعض الدولة معاملة الرؤساء وكبار المسئولين، والمؤسف أن من يحاول النيل منه بعض الحنجوريين المصريين الذين يستأجرون للعمل في بعض الفضائيات أو بعض الصحف ذات نفس التمويل!
الآن يتكرر نفس السيناريو مع إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي– رحمه الله- الذي احتل مكانة بالغة في نفوس وقلوب المصريين وعامة المسلمين لأكثر من نصف قرن، ومازال يحتل هذه المكانة رغم مرور حوالي 25 عامًا على رحيله بتصدره المشهد لتفسير القرآن بصورة مبسطة تعيه وتحبه العامة من خلال طريقة الإلقاء المبسط العصري بما ملكه من كنوز العلم والحكمة والثقافة العامة التي جذبت مئات الملايين على اعتبار أن دروسه وآراءه رسخت لوسطية الإسلام في مواجهة الوهابية والسلفية المتشددة وأيضاً عدم محاباة السلطة.
ولكن للأسف خرج علينا بعض العلمانيين والمرتزقة مؤخرًا باتهامات للشيخ الشعراوي بأنه كان متطرفًا وسلفيًا وذكوريًا ضد المرأة، ولم يدللوا لنا عن حقيقة هذا الادعاء بحادثة واحدة من حوادث التطرف والإرهاب وإسالة الدماء أو بظاهرة سلبية حدثت في المجتمع بسبب آراء الشيخ الشعراوي الذي بدأ حياته وطنيًا في مواجهة الاحتلال ثم معلمًا ومفتيًا ومفسرًا في العديد من الدول، وبلغ من العلم والعطاء ما جعله أحد أئمة العالم الإسلامي بأسره، وأحد روافد القوة الناعمة لمصر والعالم الإسلامي.
والمؤكد أن قيمة وقامة وتراث الشعراوي لا تهتز بسقطات بعض مرتزقة الإعلام وآراء بعض الراقصات.. ولا أرى دافعًا للهجوم على الشيخ الشعراوي إلا أنه هجوم على الدين والعقيدة والتفسير والوسطية.. أو أنها عمالة لضرب هذه الأمة في أهم ما تملكه من روافد القوة الناعمة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية