نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: التعديل الوزاري.. وضرورة البرنامج

ونحن على أبواب تعديل وزاري مرتقب.. تبدو الاهتمامات بهذا التعديل منحصرة في وسائل الإعلام والدوائر السياسية مثل مجلس النواب وبعض الأحزاب والقوى السياسية والمنشغلين بالقضايا العامة.. بينما تنصرف اهتمامات الرأي العام إلى قضايا أخرى مثل أزمة سد النهضة أو التدخل التركي السافر في ليبيا بهدف ابتزاز الثروات الليبية سواء في مياه البحر المتوسط أو على الأراضي الليبية، وتهديد الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وهى قضية تحتاج إلى أكثر من مقال إن شاء الله.. ولكن نعود إلى التعديل الوزاري وحالة الفتور من الرأي العام تجاه هذا التعديل وغيره من التعديلات الوزارية، وربما لأن  معظمها يتم دون أن يعرف المواطن إجابات تدور في ذهنه عن أسباب مغادرة وجوه واستدعاء وجوه جديدة أخري!

صحيح أن التجربة السياسية المصرية لم تشهد تراكما في الممارسات الديمقراطية يمكن البناء عليها أو التعويل عليها في وجود حكومة سياسية ذات برنامج محدد تضعه أمام القيادة السياسية ومجلس النواب، وتكون مهامها محددة بملفات وقضايا معروفة مسبقاً، ويبدأ كل وزير في دراسة قضايا وأهداف الوزارة التي يتولى شئونها ويكون لديه فكر وخيال سياسي يستطيع من خلاله القفز على كل المعوقات البيروقراطية ومواجهة مافيا الفساد في ديوان وزارته وقطاعاتها، بحيث يصل إلى تحقيق المستهدف من توليه هذا المنصب الرفيع في مدة زمنية محددة تحت أعين ومراقبة مجلس النواب والإعلام الذي يمثل الرقابة الشعبية.. وبالتالي تكون لدى الحكومة بكل أعضائها خطة محددة تجاه الدولة المصرية والمواطن المصري تعمل على تحقيقها بالكامل أو بنسبة نجاح معقولة.

من هنا باتت ثقافة ـ البرنامج ـ واجبة على الحكومة القادة حتى يتعاون كل أعضائها لتحقيق أهداف محددة فشلت فيها حكومات سابقة.. وهنا أتوقف أمام واحدة من القضايا الهامة التي سبق أن تحدث فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة وأصدر فيها عشرات التوجيهات لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وهو هدف يسعى الرئيس لتحقيقه منذ توليه المسئولية.. والحقيقة أنها رؤية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية كبيرة ويمكن أن تغير وجه الحياة في مصر وتحقق لمصر عوائد تنموية هائلة.. والأهم من كل هذا أن مصر تمتلك كل عوامل ومقومات النجاح في هذا الأمر، ومعظم الدول التي حققت قفزات اقتصادية كبيرة، كانت بدايتها بالصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة كثيرة وتفتح مجالات متعددة في سوق العمل وبخبرات  بسيطة، وبإنتاج يمكن في مراحله الأولى الاعتماد على السوق المحلى وسد حاجته من هذه الصناعات.

الحقيقة أن معظم الحكومات السابقة عملت في هذا الملف بخطوات حثيثة وفى جزر منعزلة وأحياناً بطريقة الشو الإعلامي، واستخدمت أساليب ملتوية لتقليص الميزان التجاري للإيهام بالنجاح في عملية التصنيع، والحقيقة أن الأمر لم يعدُ أكثر من التضييق على عمليات الاستيراد، وتحديداً من الصين وهو أمر أدى إلى حالة من الركود الاقتصادي من جانب ومزيد من البطالة من جانب آخر لآلاف  الشباب والأسر التي كانت تتخذ من هذه التجارة وسيلة للمعيشة، وجاءت عملية  التضييق بفرض جمارك مضاعفة أو بسبب الشروط المجحفة  لعملية تسجيل الشركات التي يحق لها الاستيراد وغيرها من العراقيل التي فتحت الباب الخلفي لعمليات التهريب، وغيرها من الوسائل غير المشروعة لدخول بعض السلع إلى مصر.

صحيح أن عملية الإسفاف في الاستيراد قلت مع الجوانب السلبية الأخرى، لكننا لم نحقق الهدف الأساسي وهو التحول نحو التصنيع والإنتاج الذب يحقق تنمية حقيقية ونهضة كبرى لهذا المجتمع على شتى المسارات، نحن في حاجة إلى نهضة صناعية حقيقية، وهو أمر يجب أن يتحول إلى مشروع قومي وطني تسعى الدولة المصرية بكل مكوناتها إلى تحقيقه من خلال برنامج شامل لكل الوزارات والهيئات والمؤسسات والبنوك تعمل جميعها لتحقيق هذا الهدف الذي وجهه إليه رئيس الدولة أكثر من مرة وعمد إلى افتتاح مثل هذه المشروعات بنفسه كنوع من التشجيع والدعم وهو مجهود فردى يجب أن يتحول إلى مشروع وطني مؤكد نجاحه لأسباب عديدة على رأسها حجم السوق المصري الذي فاق مائة مليون نسمة إضافة إلى السوق  العربي والإفريقي لوجود اتفاقيات التجارة الحرة بين مصر وهذه الدول التي تستطيع من خلالها غزو هذه الأسواق.. أيضاً هناك العامل البشرى والأيدي العاملة المصرية، وهناك آلاف الشباب المصري في شتى أرجاء الوطن يبحث عن هذه الفرصة من خلال ورشة أو مصنع صغير وبعض القروض الميسرة بعيداً عن شتى المعوقات والعراقيل التي ما زالت موجودة وتعوق أي تقدم في هذا الملف.

الأمر لا يحتاج  إلا حكومة جريئة تضع هذا الملف كهدف قومي وتقوم برصد ميزانية خاصة لإنشاء عشرات ومئات المناطق الصناعية الصغيرة يمكن أن تكون من خلال شركة قابضة لهذا الغرض أو تحت إشراف مجلس الوزراء مباشرة، وبالتوازي  تكون هناك عملية تدريب وتوجيه لكل من يرغب في عملية  التصنيع والإنتاج من خلال عملية شراكة بين المواطن والدولة في  هذه المشروعات،  وتصبح ملكاً له بعد سداد كل مستحقات الدولة أو البنوك أو أية جهة تمويل مقابل كل سبل التيسير التي تمنح للمواطن حتى إطلاق مشروعه وتحقيق الإنتاج، وهذا هو الاستثمار الحقيقي لكل موارد الدولة المصرية وتحويلها من دولة مستهلكة ومستوردة إلى دولة منتجة ومصدرة على غرار كثير من الدول التي شهدت تحولات اقتصادية كبرى اعتمادا على التصنيع والإنتاج.

نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
  tF اشترك في حسابنا على فيسبوك  وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى