نون والقلم

سعاد خليل يكتب: السينما بين الصورة والغايات

السينما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي أيضًا فن يعكس الواقع ويشكل وعي المجتمع. ما يجعلها فريدة هو قدرتها على جمع بين الصورة والغاية، بحيث تكون كل لقطة وكل مشهد يحمل معاني أعمق من مجرد كونه تسجيلاً بصريًا.

إنها أداة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، ووسيلة لنقل الأفكار والمشاعر من خلال تجسيد الحياة الإنسانية بكل تعقيداتها. في هذا المقال، سنتناول العلاقة بين الصورة والغايات في السينما وكيف يمكن أن تساهم في نقل الرسائل الاجتماعية، السياسية والفكرية.

 الصورة في السينما:

الصورة في السينما ليست مجرد مظهر بصري، بل هي أداة سردية رئيسية. يستخدم المخرجون والمنتجون الصور بطرق معقدة لنقل الرسائل التي يصعب التعبير عنها بالكلمات.

فالصور هي اللغة العالمية التي يفهمها الجميع، بغض النظر عن الثقافة أو اللغة الأم. يمكن أن تكون الصورة في السينما: مجرد لحظة فنية تثير الإحساس بالجمال، مثل مشهد غروب الشمس أو لقطات من الطبيعة الخلابة. أو وسيلة للتعبير عن مشاعر أو أفكار شخصية، كما في فيلم يعرض صراعاً داخلياً لبطل الفيلم يظهر من خلال صور تعبيرية.

الصورة في السينما يمكن أن تتحدث وتخبر قصة بمفردها، حيث ينقل الزاوية، الإضاءة، التكوين، وحتى الألوان معلومات هامة، مما يضفي عمقاً على الرسالة.

اما الغايات في السينما: فهي الجوانب التي تترجم الفكر والرؤية التي يسعى المخرج أو الكاتب إلى إيصالها للجمهور. تتمثل هذه الغايات في الموضوعات والرسائل التي يحملها الفيلم. قد تكون هذه الغايات: اجتماعية. سياسية: حيث تستخدم السينما كأداة للتعبير عن الآراء السياسية أو توجيه رسائل معينة تتعلق بالحرية، العدالة، أو السلام. فلسفية أو ثقافية: طرح تساؤلات عن معنى الحياة، الوجود، والدين.

غالبًا ما تتداخل الصورة مع هذه الغايات، حيث تكون الصور وسيلة لتحقيق هذه الرسائل. على سبيل المثال، يمكن للمخرج أن يستخدم صورًا محددة لنقل فكرة معينة، مثل استخدام الظلال في مشهد قاتم لإظهار التوتر النفسي، أو تصوير الزحام في مدينة كبيرة للإشارة إلى العزلة في مجتمع حديث.

هذا تعريفي عن العلاقة بين الصورة والغايات ولكن ما اريد أن استعين بما كتبه سليمان الحقيوي عن تمائم السينما بين الصورة والغايات وهو مختلف قليلا عما كتبته يقول : لقد وجدنا انفسنا طوال عقود خلت أهدافا لهجوم شرس تشارك فيه وسائط إعلامية مختلفة تتراوح بين لمكتوب والمرئي والمسموع ، مشكلة حلقة وثيقة تحكم لحصار من حولنا ، باعتبارنا قنوات ضخمة لتمرير المعلومة.

وإذا كانت وسائل الاتصال هذه قد تحظي بمكانة متميزة بينها فهي تختزل مجموعة من الوسائل في الآن نفسه ن حيث تجند الحوار (الكلام ) والصورة والقصة والفن والعلم ، ما يجعلها تتفوق علي باقي الوسائل الأخرى ، فقد قطع التعبير بواسطة الصورة اشواطا كبيرة من التقدم ، حيث قفزت خطوات هائلة خالقة موحدة مسافة شكلية ومضمونيه مع المنجز السابق ، ما جعل السينما تعتلي هرم الفنون، وتسلب المتلقي ارادته وتشكل منافسا حقيقيا يفرض نفسه في بعض الحالات بديلا للمسرح منازعا إياه في ابوته للفنون.

وإذا اردنا ان نضع مقارنة بسيطة بين عدد قراء الكتب وعشاق المسرح نبين رواد السينما لوجدنا ألوان شاسعا ، فالسينما هي المنبع الوحيد الذي تستمد منه مجوعة كبيرة من الشاب ثقافتهم في سنوات حياتهم الطويلة . التي لا تنقطع بانقطاعهم عن الدراسة، فهي لا تضع شروطا او حواجزا لولوج والمها ، كما يفعل المسرح الذي يرتاده المثقف والمتعلم ، انها تتحول من حابين كثيرة الي غزو على المستويين الثقافي والاخلاقي ، ونحن هنا لا نعمم احكامنا علي كل وسئل الاتصال ، كما لا نجعل من السينما فقط وسيلة اتصال سلبية ، وهو ما سيتضح في اوانه .

ان السينما بتعبير المخرج الاسباني كارلوس ساورا ، هي العالم الذي يتحول من خلاله المخرج الي مستوي الالهة ،  يخلق من يشاء ويقضي علي من يشاء ، يصنع السعادة ويدمر الحياة، ويخلق الصراعات انتصاراتها واحباطاتها ، وما يهمنا من هذا الكلام هو هذه السلطة التي يتمتع بها المخرج داخل عالمه ، الفيلم ، التي تبدا باختياراته للموضوع والشخصيات والقصة ، اثناء صنعة او ابداعه للفيلم فإنها ستتحول الي عصا سحرية ، بعد عملي الإنتاج هذه من خلال التأثير الذي سيمارسه الفيلم علي المتلقي واستجابته لمضمونه .

وقد سرد رييان بيتس في كتابه طريق الممثل 1986 ببعض الحكايات التي تجعل السنيما والسحر ووجهين للعملة نفسها، حيث يعتبر ان ما يقوم به المخرج من ابداع ما هو الا شكل من اشكال السحر ، ان هذا التأثير قد يتراوح بين السلب والايجاب حسب قدرة المتلقي علي حل رموز الفيلم البادية والخفية ، هذا اذا افترضنا انه يقوم بالنقد أصلا ، لان واقع الحال يؤكد عكس ذلك .

وكما هو معلوم فان للمخرجين من وراء افلامهم أهدافا وطموحات يبتغونها مدعيين شبابيك التذاكر او باحثين عن الشهرة والمجد والجوائز ، واخرون لهم اهداف ونوايا يستغلون الصورة من اجل  تحقيقها وهناك من يجمع بين بعض هذه الغايات وأكثرها من دون ان ننسي فئة اخري من المخرجين تنتج السينما من اجل الانسان والفن.

إن هذ الاختلاف في الأهداف ينتج عنه اختلاف في مواضيع الأفلام وطرائق صنعها وتوجيهها فالباحث عن لجوائز سيوجه منتوجه بما يلائم اهواء لجان لتحيكم، م من يريد المداخيل  فقط فأمامه طرق ووسائل لا تتوفر لغيره ، فهو اما ان يبدع موضوعا لم يسبقه اليه احد ، وهو ما جعلنا امام سيل كبير من الافلام متعددة المواضيع كأفلام الحركة  ( action)  التي فرضت سيطرته منذ التسعينيات من القرن الماضي ولا زلت تداعب اهواء البعض ، لتحل محلها أفلام الرعب التي تربعت علي عرض شبابيك التذاكر الأمريكية ، مؤثرة في نظيرتها العربية  وغير هذه الأصناف كثير ، وهناك من لمخرجين من يعيد احياء فكرة قديمة بالسلوب عصري وتقنيات متطورة تبهر لمشاهد تجعله في حالة من التصديق لأحداث الفيلم.

وهذا النموذج ينطبق علي جيمس كاميرون الذي رفع شعار التقنية سبيل التفوق ، في فيلمه الأخير افاتار كما في باقي أفلامه لسابقة فهو دائما ما يطرق ابوابا من الابداع لا يصلها غيره ،ولعل روائعه the lies 2 terinator titanic  تشهد علي نجاحاته غير المسبوقة ، فهو دئما يكافا بكرم لانه عادة ما يستطيع  ان يتخذ لنفسه مكانا وسطا بين مطالب الجماهير وشهية شبابيك التذاكر المفتوحة  \دائما ، ففيلمه افاتار الظاهرة الذي اجمع الكل علي اعتباره فتحا جديدا في الم التصور السينمائي.

قد تجاوز حاجز الملياري دولار ، متخطيا إنجازه  لسابق بفيلم تيتانيك الذي حقق اكثر من 750 مليون دولار ولكن تبقي مرتبطين بتصنيفنا لنوايا المخرجين فأننا نتحدث عن النوع الذي يشاطر جيمس كامرون الرغبة في تحقيق المداخيل الضخمة ، ومخالفة الطرق المؤدية اليها.

هذا النوع الذي ينتج سينما يتيمة تحط من قيم الانسان عن طريق انتاج الاما تدور مواضيعها حول الغرائز ، وهذا النمط من السينما هو اللباب  الذي يطرقه مجموعة من المخرجين العرب  الذي ين جعلوا من عام 2009 موسما استثنائيا في انتاجاتهم التي تغيب عن اغلبها صفة السينما والفن .

بدءا هذا الموسم بفيلم بدون رقابة اخراج هاني فوزي وانتهاء بعرض فيلم بالألوان الطبيعية لشقيقه الأصغر اسامة فوزي او من شابه اخاه فما ظلم ، وبينهما اكثر من ثلاثين فيلما ، تناولت علي صنع سينما كانت في اغلبها مكرورة منسوجة تقدم صورة  للجسد تناست في حشت القبلات وعدد المشاهد المخلة فقط ، واستجلاب طينة خاصة من الممثلين المستعدين لأداء هذه الأدوار في مقابل أجور ضخمة ، او جيل من الشباب الطامح والغريب ان تجد هذه الأفلام من يدافع عنها بداء بالمشاركين في التمثيل ، في مثل انهزام الرقابة  او تواطؤها.

ولعل السبب في هذا التوجه هو الرغبة في دخول عالم السينما بقوة من خلال الضجة التي تحدثها هذه الأفلام مسببة مداخيل مغرية . ونحن نتحدث عن تأثير السينما العربية والغربية واساءتها المتكررة.

نذكر فيلما اخر كان له بريقه انه فيلم نهاية العالم 2012 للمخرج رونالد اميريش وبطولة جون كوزك واماندا بيت لذي يحكي قصة نهاية العالم وكاده اغلب أفلام هوليود تطهر الولايات المتحدة بصورة المنقذ عن طريق انشاء علمائها سفن الإغاثة و لسفن التي ستحمل 400الف شخص وهو العدد الذي يتناسب مع طاقتها الاستيعابية.

لذلك سيعمدون الي التقاء من سيطا هذه السفن ليكن رؤساء الدول والعماء من كل بقاع العالم في الطليعة ، ملا في عادة بناء العالم من جديد ، ليضع مخرج الفيلم وبطريقة غير العربية في صميمها حينما جعل السبب في تواجد العرب علي ظهر السفينة هو المال فقط لانهم سيحتاجونه في عملية إعادة البناء.

اما ا لطعنة الثانية فكانت محاولة اظهار شخصية الأمير الثري في قمة الانانية عندما يتخلى عن عائلته وينحو بنفسه ، في مقابل ذلك تظهر احدي الشخصيات علي استعداد للتضحية من اجل انقاذ  كلبها فكثيرة ومتشعبة في طرق رصد تأثيرات السينما وتوجيهها للمتلقين ، ولعل صرخة رئيس اتحاد المنتجين السينمائيين اريط جونسون 1950 عن مهمة السينما ما يوضح بعضا منها ، حيث قال ان املنا الدائم هو ان تتضافر افلامنا لتنقل الي اعين  الاخرين صورة تجعل من أمريكا مجتمع خياليا متألقا ، لا مراء اذن في التأثير العميق للسينما علي المجتمع انها تتسرب الي ما تحت الجلد وفي اللاوعي ، اننا نعيش معها وتعيش معنا .

ولكن معالجتنا لهذا الموضوع ونواياه المكشوفة والمتخفية بل يجب علينا ان نؤاخذ وبنقد شديد اللهجة الطرف الثاني في عملية التواصل هذه، يتعلق الامر هذا بالمتلقي الذي لم يعد شغوفا بالسينما كفن راقي السينما التي تجعل منه قيمة عليا ولعل هذه الأممية السينمائية التي يعشها العالم الغربي كانت سببا وجيها يحكم انتاجات السينمائيين لقد اصبحنا اليوم امام فهم وتمييز .

سنكتفي من هذه أغراض صناع السينما المباشرة وغير المباشرة، وربطها  بظروفها السياقية المكونة أساسا من الشباب المنبهر بالصورة والجسد وربطهما في كثير من الأحيان تحت رحمة صانع الفيلم وفي مرمي سلاحه ، هذا المتلقي لا يعي انه عندما يشاهد فيلما فهو يشاهد الصورة في طورها النهائي علي الشاشة ، لكنه لا يعرف طبيعة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والفنية التي حكمت انتاجها .

سنكتفي بما كتبه سليمان الحقيوي عن تمائم السينما بين الصورة والغايات . واضيف ان :العلاقة بين الصورة والغايات هي علاقة تكاملية، حيث لا يمكن أن تكون الصورة فعالة إذا لم تخدم الغاية التي يسعى المخرج لتحقيقها. فالصورة يمكن أن ترفع الرسالة أو الغاية من خلال جعلها أكثر تأثيرًا ووضوحًا.

الصور كوسيلة دعم للغايات:

المخرجين في السينما يعتمدون على الصور لتدعيم الأفكار الرئيسية في الفيلم. مثلًا، في الأفلام الوثائقية، قد تكون الصور الوثائقية للشوارع أو الأحداث التاريخية هي الأداة الأكثر تأثيرًا لتوضيح الواقع أو المشكلة التي يتم تسليط الضوء عليها.

فالسينما ليست مجرد تصوير للواقع، بل هي أيضًا وسيلة لخلق عالم آخر، عالم من التصورات والأحلام. يمكن أن تكون الصورة أداة لخلق عالم موازٍ يتم تقديمه للمشاهد، يساعده في الهروب من الواقع أو حتى يرى نفسه فيه. هذه العلاقة بين الصورة والغايات تتجلى في أفلام الخيال العلمي، الدراما، أو السينما التجريبية التي تستخدم الرمزية والصور المشوهة لتمثيل أفكار معقدة.

واختم مقالتي بان السينما بين الصورة والغايات هي مجال فني يدمج بين الفن البصري والأهداف الفكرية والرسائل الاجتماعية. العلاقة بينهما أساسية لفهم كيف تعمل السينما ليس فقط على التأثير العاطفي، بل على التأثير الثقافي والفكري. من خلال هذه العلاقة المتكاملة بين الصورة والغايات، تساهم السينما في تشكيل الوعي الجمعي لمجتمعاتنا، وتقديم أفكار جديدة حول قضايا اجتماعية وسياسية، بل وتحدي التصورات المألوفة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأشكال الفنية تأثيرًا في التاريخ المعاصر.

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى