نون والقلم

سعاد خليل تكتب: التجريد الفني

التجريد الفني معروف لدي كل من له اهتمامات بالفن التشكيلي واخص بالذكر التشكيليين الذي يتبعون هذا المنهج في الرسم ولكن سنعرفه بهذه السطور البسيطة التي الأكثرية يعرفونها

يعتمد الفن التّجريديّ على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس، حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحتويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.

هذا كما يعرفه البعض في كل مقالاته وكتاباته عن هذا الفن ولكن ما اثار اهتمامي هو ما كتبه الدكتور عفيف البهنسي وهو كاتب من سوريا عن التجريد الفني بين مفهومين :

تحمل العصور الإسلامية الطويلة تغييرات واسعة في هوية السلطة الحاكمة كانت قد انعكست علي مظاهر الفكر وأساليب الفن، فكان ثمة تنوع في أساليب الفن والعمارة التي أيضا عن المؤثرات المحلية التقليدية وعن مملكات الابداع الكامنة في خيال الفنانين ، مما اغني ثروة الفن الإسلامي .

ولكن السلطة الثقافية العربية المتمثلة بالمراجع الفكرية الإسلامية وبالمأثر التاريخية في صدر   الاسلام كانت عاملا قويا في توحيد الهوية الفنية والاسس الجمالية في الفن لذي اعتمد علي الفكر التوحيدي ، فالله هو الواد والمطلق والقديم والجوهر ، ومن خلاله نستشف الوجود ، ومن خلال كل موجود نستشف عظمة هذا الخالق الواحد.

والوحيد عقيدة مثالية راقية الي جانب كونها عقيدة حضرية منطقية، تجيب علي سؤال أنطولوجي مهم يتعلق بخالق الوجود وسر الكون والتكوين، وهو سؤال يتعلق بالأبداع والخلق ، فالله هو الخالق والانسان يصور العالم ببديعية جديدة نسبية ولكنها لا ترقي الي  بديعية الخلق الإلهي .

وفي محاولة لبناء نظرية جمالية عربية تقابل النظريات الجمالية المختلفة، كانت علينا ان ننظر في أسباب قيام الرفش العربي كصيغة تشكيلية مجردة تعمد الي الغاء التشكيل التمثيلي الي درجة التحريم .

ان الايمان بالله علي انه الموجود الأول ، وانه السبب والعلة في وجود الموجود كله عن طريق الفيض الإلهي ، جعل الرقش اية إبداعية تسرد بالحاج مستمر هذا الايمان ، الذي يتمثل باعتماد الرقش علي الشكل النجمي ، النجم السداسي و النجم الثماني وكلاهما يرمز الي معان كونية ، عند تركيب النجمة السداسي كونيا من مثلثين ، واحد يمثل الأرض والثاني يمثل السماء ، او عند تركيب النجمة الثمانية من مربعين ، واحد يمثل الجهات الأربع ، والأخر يمثل الهواء والماء والتراب والنار  هنا تبدو النجوم في الرقش الهندسي تمثيلا لصورة الكمال الروحاني  الفنان الرقاش .

وفي الرقش النباتي تكمن صورة الكمال المادي الصوري ، ممثلا للقوة الإلهية المولدة ، والتي تحرك قوة النمو علي حد قول ابن سينا ، وتبقي غاية العمل الفني ان يتصل الانسان من خلاله بالجوهر الإلهي لتحقيق النشوء بالتجلي ، وهي اعلي حالات التذوق الفني ، و لتحقيق الوجود حسب مصطلح الصوفية ، وهو ارقي حالات الاندماج بالمطلق والتماهي فيه .

لقد اجمع المتحدثون بالجمال، علي ان الكمال في العمل الفني يبقي سعيا ملجا، ولكن تبقي الحدود الممكنة للكمال مرهونة بالاعتدال او الوسطية، خير الأمور الوسط او كما يقول ابن عربي المرتبة الوسطي المحمودة بين النقيضين المذمومين أي ان الجمال الأمثل اذا يتمثل بالكمال ، فان الكمال يتمثل بالاعتدال الذي يحقق الارتياح واللذة والملاءمة هذه العوامل التي تجعل العالم  الجميل ضروريا ، اذ يعبر الاعتدال عن صفاء النفس المبدعة وجمالها أيضا ، لان الاعتدال ليس موازنة عقلية فقط ، بل هو اسقاط نفسي ويقول ابن الفارض:

فالعين تهوي صورة الحسن ، روحي بها تصبو علي معني خفي .

ان البحث عن المعني الخفي في عمليه التذكر كما هي في عملية الابداع هي البحث عن جمال الحق الذي يتجلى مستمرا في محاورة العمل الفني دون ان يشغلنا عن هذا البحث الوقوف ي في نطاق الجمال النسبي المتمثل في شكل الرقش او في شكل الخط او حتي في شكل الصورة المحورة  كالمنمنمات ، فلقد هام الغزالي الجمال النسبي الظاهر الذي ينساق اليه المبدع او المتذوق  العادي هنا يطرح الفكري الجمالي العربي مسالة الاشراق في عملية الابداع ، هذا الاشراق في عملية  الابداع ، هذا الاشراق المتصل بالعقل من طرف الاله ومتصل بالنفس من طرف الانسان .

كذلك يطرح الفكر الجمالي العربي مسالة الفرح او الانس الذي يتحقق من معاينة الجمال اوم معاناته وهي مسالة كثيرا ما تتناولها الجماليات الغربية الكلاسيكية، ولكن في مجال الحداثوية أصبحت مسالة الفرح تبتعد او تغيب كي تحل محلها الدهشة او الصدمة.

هنا يبدو الفارق واضحا، بين فرح نعيشه ويعبر عن الجمال الكامن في نفوسنا المبدعة او المتلقية ن بين الدهشة التي نحاورها علي مسافة متباعدة منا .

ان استخلاص المطلق نجد تبريرات التجديد العربي الإسلامي في الرقش العربي واضح علي لسان المفكرين ن وقد تم البحث عن المطلق مادة مهمة لتكوين علم الجمال العربي ، فلقد بقي التجريد معلقا في فضاء الجمالية الغربية باحثا عن قاعدة او نظرية او منطلق لتبرير اللاشيئية  فلم يجد مستندا الا في الحداثوية التي انصرفت للبحث عن التجريد والفراغ والعدم .

هنا لابد من بيان سبب احتجاب الصورة التشبيهية وراء الرقش العربي المجرد علي الرغم من مبرراتها الفلسفية المتحفظة التي قدمها التوحيدي والجاحط والفارابي .

يتناول الفكر الجمالي العربي الإسلامي مسالة نقص المنع فان الفكر الجمالي العربي الإسلامي الذي يقدمه او حيان التوحيدي وغيره قد حدد مبادي وأسباب عدم التشبيه والتحريج في الفن العربي ونلخص هذه المبادي بما يلي :

1- ان الله مصدر الكون المطلق وان الكل باد منه ، وقائم به موجود له وصائر اليه ، كما يقول أبو حيان في الإشارات الإلهية .

2 – ان الفن صناعة تهدف للتعبير عن التوحيد بصيغ مطلقة، يقول التوحيدي: وانا اعوذ بالله من صنعة لا تحقق لتوحيد ولا تدل علي الواحد .

3-  ان النجاة من الشرك تتمثل بالتجريد، اذا سما بك العز الي علياء التوحيد ، فتقدس قبل ذلك عن كل ماله رسم في الكون واثر في الحس وبيان في الحياة كما يذكرك التوحيدي في الإشارات .

ولكن التوحيدي كغيره من الفلاسفة كالجاحظ والفارابي ، يري تبريرا للاستعارة  التشبيهية في الفن فيقول في الامتاع : كلما جد عن هذه الصفات  بالتحقيق في الاختيار ، وصف بها بالاستعارة علي الاضطرار ، لأنه لابد من ان نذكره ، ونصفه وندعوه ، ونقصده ونرجوه ، ونخافه ونعرفه شكل من اشكال التعبير ان الرمز عن الايمان ، او الحلم او الصبوة .

هو لغة في المستوي المجرد اللامرئي واللامعقول ينوب عنن عالم التمثيلات غير المباشرة بالعلامات الاستعارية.

وفي تكرار الرمز تتابع تراكمي لمضمون الرمز الذي يتعرض لتأويل متعدد، اهتم به المتصوفة، فلقد توسع ابن تيمية في تأويل الآية الكريمة التي تسمي المشكاة في سورة النور مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولاغربية .

لقد ربط الفكر الفيثارغورسي في الغربي بين الرمز والتأويل برباط رياض بينما بقي هذا الرباط روحانيا في الشرق الإسلامي، اذا يذهب ابن عربي والجيلاني الي ان الابداع هو بروز الحق علي الخلق من خلال عمل رمزي يحمل صفة الاستمرارية واللانهائية لأنه سعي نحو الله .

صحيح ان الفكر التجريدي المعاصر حاول ادراك الروابط الروحية بين الرمز او التجريد وبين التأويل ، وكانت المحاولات الكتابية والتصويرية التي قام بها كل من موندريان وكاندينسكي شاهدا علي ذلك . ولكن هدف الفنان الرفاش من الرمز هو التعبير عن جمال الذات الإلهية للاستدلال علي جمال الوجود، وعلي نقيض الفنان الحداثوي الذي استمر يبحث عن الوجه الاخر للواقع والجمال سواء في عالم اللاشكل . او اللاجمال ، او اللا شيء ، او اللا فن وكانت مقولات الكمال والجمال والجلال عنده متفككة بسبب طغيان الذاتية في الفن التجريدي الذي يفرض نفسه فرضا علي العالم والوجود، ويتضح هذا الفرض في انتشار المذاهب التجريدية الفردية والشخصانية ، هذا المذاهب التي خرجت عن جميع المبادي والقواعد الجمالية  المقررة في استيقا الغرب ذاته ، اما الفن في الفكر والفن الإسلامي ، فانه مصدر قيم سماوية ووجودية شاملة تجمل الابداع اكثر إنسانية وتجعله مرشحا ان يكون فنا عالميا يتجاوز العالم الإسلامي الذي استقر فيه وانتشر .

وليس سهر ان نذكر صفة العالمية عن فن يقوم علي الحوار التشكيلي معترفا بمفهوم التجريد بعيدا عن العدمية والعبث .

ولقد حاول الفن العربي التجريدي الحديث ان يقدم نفسه في المعارض الدولية والبيناليات متجذرا بمفهوم التجريد الإسلامي الذي نتحدث عنه وكان حضوره متميزا.

وما زال الفنان العربي يحفر في أعماق التراث الفني عن الخصائص الجمالية التي يستمدها لكي يغني حواره مع الفنون العالمية لتحقيق  انتصارها وتأكيد حيوياتها ، فالعالمية انما تتكون وترقي من زخم الحوار بين الهويات الثقافية المعاصرة وهي مختلفة عن العولمة ، هذا التياير الاقتصادي الجامح الذي يحاول جرف الهويات الثقافية حيثما كانت لخدمة القوي المهيمنة في مجال العولمة .

اما الفن الغربي فان رصيده في الحوار هو تطور الجمالية المرافق لتطور التقنية والصناعة مما نراه في انتقال الموضوعات من الاساطير والعقائد الي تصوير المحطات والمعامل والمرائب والسيارات والآلات والانابيب الي استعمال الخردوات والمهملات للتعبير عن الفن الشعبي.

ويبدو بعد هذا العرض المقارن السريع، ان الفن العربي يلتقي مع الفن الحديث في مجال التجريد، ويختلف معه في تأويل هذا التجرد تأويلا جماليا . فلقد رفضت التجريدية العربية للجوء الي الاستطيقا التقليدية، وما زالت تحتار في اختيار استطيفا ملائمة لمفهوم الحداثة لقائمة علي القطيعة والرفض. ام التجريدية لعربية المعاصرة فلقد سارت باتجاه ملاذين ، اما الانضواء تحت جناح التجريدية الغربية والاحتماء  بها ، واما البحث في ابعاد الفكر الجمالي العربي الإسلامي الذي قدمه الفلاسفة المسلمون والصوفيون مما عرضنا مقتطفات عنه في هذا المقام ، ولا نري ان البحث وصل الي اهدافه بعد .

وهكذا فان التجريدية في الشرق والغربي تعاني عدم وضوح الرؤية الاستطيقية فاذا كان الفنان الغربي حائر فان العربي مازال غائبا عن أصول الجمالية العربية  التي تتوضح

ء من خلال الدراسات المتفرقة التي تظهر من وقت الي اخري في دراستنا التحليلية والتاريخية او في دراسات المتشرقين من أمثال باب دوبولو واولينغ غرابار وما زلنا نسعي الي قيام علم  بديهي متكامل قادر علي تبرير التحول الشامل من المحاكاة الي الابداع.

ويجب ان نشير هنا الي ان دراسة التجريدية في الفن ما زالت كامنة في  دراسات الفلاسفة منذ هيغل وحتي ادرنو وفوكو وديريد ، هذه الدراسات  التي تناولت الفكر والسياسية والدين والفن دون ان تستأثر مسالة التجريد في الفن او الفن التجريدي باهتمام علماء ا لجمال ضمن حدود اختصاصهم لكي تصبح خلفية نظرية للحداثة او للتجريد حصرا ، بوصفه المظهر الأكثر حدية للحداثوية .\وما زال العالم الجمالي و الناقد لاهثا في استخلاص هذه الخلفية من اعمال الفنانين للتريديين في العلم ، ولكن حكمه علي مبررات التجريدية في الغرب لم يستقر بد ، لان ما بين ايديه من مراجع فلسفية انما تنتسب الي ما قبل الحداثة . اكثر من الانتساب الي مفهوم الحداثة  علي نقيض الناقد العربي الذي يجد متسعا لتبرير التجريدية العربية المعاصرة تعددية الانتماء حالت دون تجميع مبدي التجريدية المعاصرة حتي في نطاق الحروفية التي انتشرت كوسيلة

سهلة بين الفنان والجمهور. يساعده علي اختراق غموض التجريدية في ذهن المتلقي الذي عرف الصورة من خلال المادة وليس من خلال المتخيل. ومع ذلك فمن الواجب ان نعرض في هذه المناسبة لمجموعة اعمال لفنانين عرب نختار خمسة لضيق المكان وهم :

شرقاوي من المغرب، مهدواي من تونس ، نوار من مصر ، وعزاوي من العراق وحماد من سوريا

ليس لدينا مصادر تعريفية بالمصور المغربي احمد شرقاوي تفوق دلالة علي مصادره التصويرية ذاته ، فهي الشاهد علي ان هذا الفنان الذي لم يعش اكثر من ثلاثة وثلاثين عاما ، قد نشا علي معايشة الفنون الشعبية في المغرب ثم انتقل لدراستها اكاديميا وتعمق في أهميتها عندما اطلع علي مدي تأثير الفن الشعبي البولوني في الفن المعاصر .

لقد كانت امه اكثر تأثيرا من جميع الأساتذة الذين علموه ، كانت الأستاذ والمصدر ، عنها درس الوشم في وجهها وعلي ساعديها ، الرسم علي ملابسها ، وبسطها وادواتها ، هكذا تعرف علي عناصر التجريد التي استحوذت علي اعماله بالوان هي من صميم الوان اهل الريف المغربي والاطلسي الشامخ.

لقد استغرقت الرموز جميع اشكاله، ولم تكن هذه الرموز مقصودة لذاتها، فما كان يهمه هو ان ينقل الي اللوحة الصغيرة اليت يصورها الاولوان المغربية محلاة بإشارات رمزية مرسومة بريشة سوداء غليظة تكان ان تكون عفوية ، ومع ذلك قد ترك للمتلقي فرصة كبيرة لتأويل الرموز التجريدية التي  تميزت وفارقت جميع مبادي التجريد الغربي.

وتعليقا علي اعمال المهدواي تسعدني الإحالة الي الناقد عز الدين مغربي الذي فتتح كتابه عن نجا مهداوي الفنان التونسي مناديا: لا تقل بان الكون مقلوب ، ادعوك للنظر  الي مالا ينظر ، ادعوك الي سماع ما يسمع ، ادعوك الي قراءت مالا يقرا.

الحق ان نجا مهداوي الذي تعلم الخط العربي من تلاوة القران الكريم منسوخا بخط مغرب او مشرقي، مازال محتفظا في رسومه برموز مجردة لهذا الخط الذي سما عندما كان حاملا لكلام الله العظيم وكان عليه ان ينقل هذه الرموز الخطية التي انقطعت عن المعني والنص لكي تصبح بذاتها هي المعني الجمالي والنص الفني ولكي تصبح بذاتها منهاجا للتجريد العربي الإسلامي الحديث.

يقول الدكتور عفيف: في مصر عندما توطدت علاقتي بأحمد نوار المصور والحفار ، نقلت في مقدمة كتابه انطباعي عن اعماله الفنية وقلت : ان الحديث عن فن احمد نوار ، لابد ان يتم من خلاله شخصيا ، دون ن يتم من خلال اتجاهات الفن الحديث العالمي فليس لأسلوبه الفني عنوان مأخوذ من عنوين الفن التجريدي (المينيمال والمفهومي والطلائعي وما بعد الحداثة ) وانما يحمل عنوانا واحدا هو اسم احمد نوار .

ليست تجردبة احمد نوار عرضية ، بل هي ذهنية ، خيالية ، نري ذلك في اصغر شعاراته المختصرة ،وحتي في اللوحة الكبيرة ، حيث العلاقة بين الجمال الفني والكمال لهندسي الخطي والفراغي ، واضحة قوية .

ان البناء الفني عند احمد نوار هي شبه بالبناء المعماري، في لوحاته المسطحة يشيد عمارة تنهض من الفراغ دون ان تعتمد علي المنظور الرياضي بل تعتمد المنظور، الحلم ، به يسعي لبناء مدينة فاضلة من الاحلام المستقبلية .

لم تحكم اعمال احمد نوار الصدفة والمغامرة، كما في كثير من اعمال الغربي المعاصرة ،اذ ليس فيبنا العمل المعماري صدفة او عبث ، والا فان ما نشيده يصبح ايلا  للسقوط بقوة وعنف ، ومنشئات نوار التصويرية راسخة جدية تقوم علي قواعد ثابته ولكنها مع ذلك تأخذ معينها من نسغ ميتافيزيقي من مدار مطلق صوري ، من نداء حكم عقلاني . واعمال الطباعة عادة هي كثر استجابة من الأعمال الزيتية لهذا الحس الفني لحصيف الدقيق ، الذي يرتسم علي اللوحة هياكل تشكيلية تسبح في الفضاء كمناطيد تعكس اشعة صادرة من شمس ابدية .

يضيف الدكتور عفيف : عندما اختر محمود حماد لكي اقدم فنه مثالا علي التجريدي ، لم يكن في حسباني ان اكتفي بتكريمه في هذه لعجالة ، فهو يستحق مني محاضرة كاملة ، بل كتابا كاملا ، ومع ذبك فان ما اردت  ان اقدمه  كشاهد علي التجريدية من خلال اعماله هو الحديث عن الموتيفات العربية التي رادها كمحاور مركزية للوحة لونية تضاهي اعمال التجريديين الكبار.

لقد أراد حماد ان ينقل الكلمة العربية من نصها الكتابي الي نص فني جمالي، ومع انه لم يستغن عن علامات النص الكتابي ، الا انه اخترق جميع قوانين الخط العربي لكي يقدم لا تكوينا قد لا نستطيع قراءته ، و لعلنا لا نريد ذلك طالما ان النص الفني تجاوز  بمسافات واسعة النص الكتابي . فالمعني الجمالي اصبح طاغيا علي المعني البياني الذي يبقي شاهدا علي انتساب اللوحة لمناخ ثقافي عربي ، لعب حماد في فضاءه لعبات تقنية أصبحت علامة خاصة به .

لقد وجدت مسالة الاصالة في العراق محلا واسعا لدي الفنانين التجريدين وكان ضياء عزاوي واحدا من دعاة تحويل الفن الن الحديث من المجانية الي القيمة، ومن العدمية الي الوجود ومن العبثية والتلقائية الي الفكر .

لقد جمع عزاوي في اعماله عبء تلخيص الفن الشعبي والفن الإسلامي والخط، والرقش، وصاغ هذ كله صياغة موسيقية علي مدرج لوني شرقي اخاذ، ولم    تغب في بعض اعماله صورة الانسان ولكنها كانت مجرد ايقونة رمزية للتعبير عن الموجود الذي يعي لوجود وما وراء الوجود. لذلك فان ضياء عزاوي فتح الباب واسعا علي المطلق من خلال النسبي ، وكان واعيا ومدركا انه يلد باب الحداثة من فرجته العربية وليس من فرجته العدمية .

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

 

زر الذهاب إلى الأعلى