
سعاد خليل تكتب: الأدب والفنون علاقة إبداع
عندما نقول الأدب، في اطاره الابداعي نعتبره أحد الفنون الجميلة الخمسة: كالرسم ، والنحت ، والرقص ، والموسيقي ، وهو مثلها جميعا صناعة فنية يعبر بها التعبير المؤثر الجميل ، عن نوايا النفس البشرية في كل ما تضطرب به ، من اشتات وخواطر الفكر والوجدان ، ولا يختلف عنها في شيء ، من حيث الغاية التأثيرية التي يسعي اليها كل فن جميل.
بمعني ان الادب يعتبر فن جميل يتميز بمادة التعبير التي هي الفاظ اللغة ، فيما هي الاشكال للنحت والزخارف ، والحركة للرقص ، والانغام للموسيقي ، والالوان والخطوط للرسم ، ولا داعي هنا الي ذكر الخصائص ، التي تضع فن الادب في رأس الفنون الجميلة فقد فصلنا ذلك في حينه تفصيلا وافيا .
ما نقصده بفن الادب هو انه تعبير جمالي بالكلام عن معاناة صاحبه الذي يجسد احاسيسه بلغة تتصف بصفات فنية ايحائية ، في مفرداتها وتراكيبها ومضامينها المعنوية واشكالها البنائية الابداعية .
عن هذا الموضوع نأخذ قراءة مبسطة في كتاب الفن والادب للدكتور ميشال عاصي يقول : اذا كان الفن يستلزم لبنائه الجمالي ، حقائق ذاتية رؤيويه لا حقائق موضوعية ، فقد وجب ان نستثني من دائرة الفنون الجميلة ، كل ما هو منطبق علي حقائق الوجود الموضوعي مماثل لها ، فلا يبقي للفن هكذا من محتوي ، سوي الحقائق الذاتية ، اما الحقائق الموضوعية فهي محتوي العمل الفكري والعلمي لا العمل الفني .وعلي هذا التمييز بين ما هو محتوي ذاتي نفسي، وبين ما هو محتوي موضوعي عقلي ، يقوم الفارق بين الفن والعلم . ولما كان الانسان المبدع احد اثنين اما احتكاكه بالعالم الخارجي ومعاناته لتجربة الوجود الاول عقل غالب يتأثر بالمظاهر الكونية ، فيتحرى حقائقها في الاسباب والنتائج وفي علاقاتها بعضا ببعض ، ثم ينبري معبرا عما اتضح له منها منعكسا في امكاناته وقواه المفكرة العالقة ، فيحيل هكذا حقائق الوجود الموضوعي المستترة الي صياغة فكرية تعبيرية ، ذات محتوي حقائقي موضوعي ، انكشف له بعد ان عقله ، فان موقفه هذا هو موقف المفكر العالم ويحتوي عمله هو محتوي العمل العلمي .
اما الثاني فانه أنسان كالأول ، يتأثر بظاهر الوجود حوله ، لكنه ذات تصهر الوجود في عالمها ، فتحيل حقائق الاشياء الموضوعية حقائق ذاتية ، وهو اذ يعيدها الي خارج في صياغة تعبيرية جلية ، لا يعيدها علي حقيقتها الاصلية كما في الواقع الموضوعي ، وانما يعيدها بعد دخولها الي هيكله النفسي ، كما تريدها ذاته ان تكون كأنما هو يخلقها من جديد ، عالم موضوعيا بحقائق ذاتية فرضها فرضا عليه .
هذا هو موقف الفنان من الأشياء وفي تعبيره عنها . عمله هو محتوي العمل الفني الاصيل.
ان المسالة في فن الادب الذي نحن بصدده هنا تقتضي ان نعتمده لتوضيح التشابك الحاصل بين العمل الادبي الفني ، والعمل الادبي الفكري والعلمي بوسيلة اللغة . وهو تشابك يدفع بمن يغفل عنه الي مفاهيم خاطئة في النظر الي انواع الفن الادبي ، وتقويمها التقويم الحق .
فلطالما اختلفت الآراء ، وما تزال ، حول فنية الاعمال الادبية بالنثر ولطالما اضطربت النظرة في ميزان التقييم الفني الي اثر ادبي ، ويترجح محتواه بين رؤيا الفن وحقائق الفكر والعلم بين مناخ الحقائق الذاتية ومناخ الحقائق الموضوعية ،كالمؤلفات التي تعالج الموضوعات التاريخية مثلا ، ولطالما تساءل المتسائلون هل يعتبر فلان اديبا فنانا ، ام نعتبره اديبا مفكرا ؟ وكثيرون ، ذهابا من هذا الخطأ ، قصر الفن الجميل في الادب ، علي الشعر وحده دون النثر . وكثيرون ، في المقابل لا يتنازلون عن فنية الاعمال النثرية مهما تكن .
نتساءل يقول الدكتور ميشيل عاصي في كتابه لماذا يضرب المقياس الفني هكذا في الادب وحده ، من دون سائر الفنون الجميلة الأخرى ؟ وكيف السبيل الي الخروج منه ؟ وما هو اخيرا محك الفنية الجمالية في الادب
كان مجال لأي التباس او تشابك ، بين اعمال الفن الادبي واعمال الفكر عامة ، لولا ان الاديب الفنان والاديب المفكر ، يتخذ كلاهما ههنا وهناك في الفن الادبي والتفكير العلمي ، وسيلة تعبيرية واحدة : اللغة .
ان مادة التعبير الفني في الموسيقي هو : وحدها الانغام ، لا يشاركها وسيلتها هذه أي عمل اخر من اعمال الانسان الابداعية . وهنا اما ان تكون الانغام جميلة فهي اذا ذاك فن موسيقي ،واما ان لا تكون ، فهي حينئذ دندنة لا يؤبه لها . كذلك اعمال الرقص والرسم والنحت فهي اما ان تكون فنونا جميلة او لا تكون شيئا من ذلك.
قد تكون اعمالا انتفاعية معيشية ، ولكنها ليست في كل حال اعمالا عقلانية رفيعة . اما المسالة مع الادب فمختلفة تماما . ذلك ان الادب حين تتكاثف فيه وتحتشد فنية الشكل والمضمون ، فقد ينقلب عملا انتفاعيا معيشيا ، حديثا بين الناس عابرا لا تبقي له حتي ميزة التسمية الادبية ، وان تكن وسيلته الفاظ اللغة التي هي نفسها وسيلة الادب ، وقد ينقلب عملا فكريا علميا او فلسفيا ، من نوعية الاعمال العقلانية الرفيعة ، بما تحمله حينئذ الفاظ اللغة من حقائق للحياة والوجود. وهكذا يتضح لنا ان الفنون الجميلة باستثناء الادب تتراوح بتكاثف فنيتها شكلا ومحتوي ، بين المستوي النفعي الأدنى ، وذروة الابداع الفني. بمعني انها تتدرج ارتفاعا من الحدود الفنية الدنيا ، الي الحدود الفنية القصوى والممكنة .
اما في الادب ، فالمسالة تختلف عنها في سائر الفنون ، لان مادة الادب اللفظية تحتمل ازدواجا في شكلها ومضمونها معا ، فالألفاظ ذات مضمون معنوي ، كما هو مفهوم . وهذا المضمون المعنوي ، قد يكون مضمونا جماليا تطغي عليه حقائق الذات ، خيالا وشعورا، اذا اريد به المضمون الجمالي المحض ، وقد يكون مضمونا فكريا وعلميا بحتا ، تطغي عليه الحقائق الموضوعية اذا اريد له ان يكون وقد يأتي المضمون المعنوي في اللفظ ، مزيجا من الحقائق الذاتية ومن حقائق موضوعية ، شيئا من هذا وشيئا من ذاك فلا هو هذا فقط ولا هو ذاك فقط.
هذا جزء بسيط من قراءة الكتاب الذي يعرف علاقة الادب بالفنون وهل الادب نوع من الفنون ؟
ومما يتضح ان هناك علاقة قديمة تربط بين الادب وبقية الفنون كالشعر والنثر والموسيقي والمسرح وغيرها ،
فالأدب والموسيقي علي سبيل المثال هناك علاقة وثيقة تتراءي في الايقاع الذي يقوم عليه كل من الشعر والموسيقي وخاصة في العصور القديمة فكان الوزن عنصر اساسي في الشعر الكلاسيكي وهو يعتبر من صميم الموسيقي اضافة الي القصائد التي كانت تلحن وتغني وهذا ترك تأثيرا قويا في الشعر حيث اصبحت الموسيقي تصاحبه علي سبيل المثال الموشحات الاندلسية التي كانت من سمات عمود الشعر العربي من اجل تطويعها كي تلائم الموسيقي والغناء .ايضا هناك تواصل بين الادب والموسيقي من خلال الاعمال المسرحية للتعبير عن بعض المواقف الدرامية الشعر ايضا رغم انه يعتبر اعتماده كليا علي القراءة بدلا من الاستماع لا يستطيع ان يستنني عن عنصر الايقاع الذي نجده يصاحب الشاعر في القائه للقصيدة .
الادب ايضا له علاقة بالنحت ذلك ما يتراءى في تناول الشعراء والكتاب لتماثيل بالوصف ، كما تتراءي في تناول نحاتين لنماذج مأخوذة من نصوص ادبية ، وخاصة في الآداب الاوروبية التي تعني بالنحت اكثر من غيرها من الآداب العلمية لكونها قامت علي بعث الثقافة الاغريقية التي تحفل بهذا الفن اكثر من غيرها .
الرسوم ايضا كانت ملهمة للشعراء كان الشعر ملهما للرسامين ويكفي ان نعطي مثالا بألاف الرسوم التي وضعت للتعبير عن قصائد معينة وخاصة تلك الرسوم الداخلية المصاحبة لبعض الدواوين الشعرية علي نحو ما يطالعنا في ديوان ( رنا جعفر ياسين ، الموسوم ب المدهون بما لا نعرف ) وديوان محمد بنيس ) الموسوم بكتاب الحب ) وغيرهم من الدواوين . وهنا نكتشف ايضا الروايات التي تستعين دور النشر بالرسامين لوضع الرسوم الداخلية لتلك الروايات المستوحاة من واقعها وشخوصها بل ان بعض النصوص الادبية الكلاسيكية بدورها لا تخلو من مثل هذه الرسوم ، اضيف ان هناك مئات اللوحات الزيتية التي استلهمت من نصوص ادبية .
نعود الي بعض السطور في هذا الكتاب القيم حيث يتناول الشعر والنثر والصفة الفنية للأدب :يقول الدكتور ميشال ان الدارسين التقليديين الذين يقصرون الفن الجميل علي الشعر وحده دون النثر ، كما نعلم ان الشعر هو الفن الوحيد الذي عرفه العربي بين الفنون الادبية الرفيعة . اما النثر فلا يرتفع الي مصاف الفنون الجميلة الا علي نحو قليل ، حين يكون نثرا شعريا او شعرا منشورا.
فمن حيث الصفة الجمالية للأدب لعل الاصوب ترك الكلام عليها من زاوية القول بشعر ونثر لنجابه المسالة من زاوية اخري ، لا تتقيد بالشكل فقط بل تتناول الشكل والمضمون معا .استنادا الي نوعية المضمون الفني والمضمون الفكري والعلمي ، كفيل ان يوصلنا لا الي حل حاسم لمشكلة الجمالية الادبية فحسب بل الي مفهوم كامل لما يسمي بالشعر والنثر ما دامت العادة قد درجت علي تقسيم الادب الي شعر ونثر وهكذا نجد ان الادب لكي يعتبر فنا جميلا ينبغي ان يتوافر له المضمون والشكل الفنيان ، سواء جاء في قالب الشعر ام في قالب النثر .
ان الجمالية في العمل الادبي ليست مسالة شعر ونثر انما مسالة الرؤيا الفنية المجسدة بأسلوب تشكيلي ايحائي يجلو رؤية المحتوي وفنية المضمون. وبقدر ما تتكاثف هذه الفنية محتوي وشكلا في عمل ادبي يقترب العمل بهذا القدر من دائرة الفنون الجميلة ليتوجها عند اكتماله .
يعتبر الشعر والنثر من المنتجات الابداعية وكذلك الفكرة وغيرها تؤلف نوعية الادب ، الذي حتمت عليه وسيلة اللغة المشتركة ، ان يتجه الوجهة العقلية بالإضافة الي وجهته الفنية لجمالية ، بسبب من التقاء النشاط الفني علي وسيلة لأدائه اللفظي مع النشاط الفكري وهكذا تتسع دائرة الادب لتشمل نوعيتين من اثاره : فنية جمالية ، وعقلية فكرية .
من هنا اقول ان الادب لا ينفصل عن الفنون بكافة اشكالها وانواعها فالأدب المسرحي هو اوج النشاط العملي الابداعي في الادب ، وذلك لأنه عمل قصصي يتمثل علي منصة او علي الركح كأنها دائرة الدنيا الاجتماعية النابضة . فلا وسيط بينك وبين الحادث وابطالها ، ولا تتناولهم بالسرد او بالوصف ، وانما هم هناك علي مرمي السمع والبصر ، شخوص تحركهم حادثة معينة فيحبون ويبغضون ويشقون ويسعدون وتشاهدهم بمختلف المشاعر الانسانية، وعليه نقول ان المسرح نشاطان فنيان لا نشاط واحد ، الاول ادبي فني ، مهمته خلق التعبير الكلامي المناسب.
وهذا من مهام الاديب الفنان . اما الثاني فنشاط فني تمثيلي ، يتولاه نفر المخرجين والممثلين الذين تقع علي عاتقهم مسالة تجسيد الشخصيات وخلق اجوائها ، وليس النشاطان منفصلين بعضا عن بعض ، فالثاني متمم للأول ومبني عليه . والاول مرتبط بمراعاة الامكانات التمثيلية ومقيد بها. ولكنهما عملان فنيان لكل اصوله علي حدة .
ان فن التأليف المسرحي ادب فني ابداعي يقوم علي حبك حادثة قصصية ، تؤدي حوار بين اشخاص علي المسرح وتمثل امام جمهور .
هناك ايضا علاقة بين الادب والسينما فهذه تعتبر من الفنون التعبيرية السمعية البصرية المركبة التي تجمع بين الصورة والحركة والكلمة وهي فن سردي يتخذ الصورة المتحركة والصوت اداة التعبير خلافا للفنون الأخرى التي تعتمد علي الكتل والأحجام والالوان او الاصوات والالفاظ او الحركات كما هو الامر بالنسبة الي النحت ،
ان العلاقة بين الادب والسينما في التواصل والتأثير المتبادل بينهما وهذا ما قاله الدكتور جهاد نعيسة في بحثه الموسوم بالرواية والسرود السمعية والرواية والسينما ، ويمكننا ان نوازن لا نقارن بين الرواية والسينما.
فكل من هذين الفنين يقومان علي السرد التخيلي ، كل منهما يتخذ من الإنسان مدارا او محور لهما وكل منهما يرتبط بالواقع ارتباطا قويا حسب طبيعة التخيل ومداه ومرجعياته ، ايضا كلاهما يحتفي بالبعد التاريخ للسرد .ان السرد الروائي القصصي يعتمد علي اللغة المكتوبة ، بينما السينما تعتمد علي اللغة السمعية والبصرية التي تخضع لناء حركية ان زمن الوصف يطول في الرواية ،ويقصر في السينما .
ان الابداع الروائي خلافا للإبداع السينمائي الذي لا يمكن ان يتم الا من خلال الممثلين والمصورين والمخرج هناك تفاوتا كبيرا في قدرة كل من الرواية والسينما علي الاستبطان ان السينما تعني بنقل الصورة الظاهرية عادة ولا تستطيع ان تغوص ي اعماق النفس لبشرية سيكولوجيا او فكريا بينما الرواية التي تستطيع ذلك بفاعلية متناهية .لقد استطاعت السينما ان تقدم الرواية واطروحاته بطريقة ناجحة وذلك لتحويل السرد الي شكل درامي من خلال السيناريو .
وهنا اريد توضيح ان العلاقة بين الادب والفنون كافة هي علاقة وطيدة يستلهم الثاني من الاول وكذلك الاول والامثلة كثيرة علي ذلك .
المراجع:
كتاب الفن والادب دكتور ميشال عاصي
العلاقة بين الادب والفنون الأخرى دكتور الرشيد بوشعير
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا