روسيا الجديدة
تعلمت روسيا المراوغة السياسية، لم تنفعها النزاهة والوفاء للأصدقاء، وجاعت عندما تمسكت بالمبادئ، واضطرت إلى المتاجرة في كل شيء بعد انهيار الإمبراطورية السوفييتية.
روسيا اليوم مختلفة، وهي ترى أن أميركا وأوروبا ليستا أذكى منها، وبدأت في ممارسة الدهاء بخلط المواقف السياسية بالمنافع المادية، وأول دروس هذا التحول أن يكون لممارسها وجهان، فإذا احتاج إلى أكثر من ذلك لا مانع من إضافة وجوه أخرى، والمتابع للمشهد الروسي على الساحة الدولية بشكل عام والعربية بشكل خاص يلحظ ذلك جيداً.
روسيا اليوم تشبه ذلك الذي يحضنك ويقبلك على خدك الأيمن ويصفعك على خدك الأيسر في اللحظة نفسها، هي صديقة محبة وتوقع معك اتفاقاً حول قضية ما، وبعد بضع ساعات تعلن شراكتها مع إيران ضدك، تعطيك سلاحاً بمليارات الدولارات، وتبني مفاعلاً نووياً جديداً لإيران، تقاتل مع إيران في سوريا، وتتخلى عن إيران في اليمن، تبيع منظومة صواريخ لهذا، وتعطي الآخر شبكة مضادة للصواريخ!!.
روسيا اليوم جديدة بالكامل، تعلمت نفي الخبر قبل أن يعلن، المتحدث باسمها يدعو إلى مفاوضات سلام في سوريا وطائراتها تقصف كل شيء يتحرك في سوريا، وفي اليومين الماضيين عاش العالم في حالة ذهول سببها الأسلوب الروسي الجديد في التعامل السياسي والإعلامي، وكان ذلك بسبب قصف قافلة الإغاثة الدولية قبل أن تصل إلى حلب، ولأنه خرق فاضح للمبادئ الإنسانية، ومخالفة للتعهدات والالتزامات المقدمة للأمم المتحدة أو الموقعة مع الولايات المتحدة، طرحت روسيا تمديد الهدنة في سوريا!!
روسيا اليوم، وأقصد هنا القناة التلفزيونية الرسمية للجمهورية الروسية الاتحادية، تقول إن قافلة المساعدات تعرضت لهجوم وليس لقصف جوي، وتقول إن الأميركان يتهمون روسيا لتغطية قصفهم لقوات نظام بشار الأسد قبل أيام، وتقول إن روسيا مستعدة لعقد اتفاق آخر لإيصال المساعدات!!.
الشواهد كثيرة، ولكن حجم الإنكار أكبر، فهذا زمان لا يسمع فيه صوت الضحايا وهم يموتون قصفاً أو جوعاً، أما صوت المتغطرس، صاحب القوة، محرك الإعلام ووسائل الدعاية، فهو مسموع، وللأسف، هناك من سدت آذانهم، وعميت عيونهم، وماتت قلوبهم، حتى أصبح فعل مثل حرق المساعدات الإنسانية عملاً بطولياً في نظرهم!!