اخترنا لكدنيا ودين

رضا هلال يكتب: حكايات أبطال غزة في رمضان

ومضات رمضانية

قصص البطولات التي تصلني من غزة العزّة والإباء تُدخل الفرح والسرور إلى قلبي، ويؤلمني جدًا – جدًا – أيضًا، ما يأتيني من قصص الخذلان من بعض العواصم العربية والإسلامية، وكأنهم يواجهون مجموعة من الأعداء، لا العدو الصهيوني وحده!

وسأتوقف طويلًا أمام هذه البطولات، التي أعاد بها المناضلون الفلسطينيون الروح إلينا، وضخوا دماء جديدة ومختلفة في عروقنا، جعلتنا من شدّة الفرح بها – والألم على حال عدونا وعدوهم – نستشعر نفسًا جديدًا يُبعث فينا، ويُعيد الثقة بديننا وأنفسنا. خصوصًا أن هذه المعارك الضارية تدور في نهار رمضان ولياليه؛ يصومون دون طعام، ويفطرون لا على شيء… سوى إيمانهم بالله. وهذا من شدّة إخلاصهم، ورغبتهم الصادقة في أن يكون جهادهم خالصًا لله، طلبًا لإحدى الحُسنيين: النصر أو الشهادة.

لكنهم – بصدق نيتهم – نالوا الحسنيين معًا؛ فمنهم من يُستشهد يوميًا، ويرقى إلى ربه صائمًا شهيدًا، أو شهيدًا صائمًا. وهنيئًا له، فهذا ديدن المخلصين.

وهذا يُذكرني بقصة عبد الله بن حرام – رضي الله عنه – والد جابر، الذي قال لابنه قبل غزوة أُحد: «يا بني، إني لا أراني إلا مقتولًا في هذه الغزوة، بل لعلي أكون أول شهدائها».

وأعتقد أن كل مناضل غزّاوي اليوم هو عبد الله بن حرام جديد، يسلك مسلكه، ويسير على نهجه.

قصة عبد الله بن حرام نموذج خالد في التاريخ الإسلامي، لأنه أخلص لله ولرسوله ولدينه، فلم يخالط إخلاصه رياء أو نفاق. فكان جزاؤه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «ابكوه أو لا تبكوه، فإن الملائكة تظلله بأجنحتها» (رواه البخاري ومسلم)

وهذه من كرامات الشهداء؛ أن الله يُكرمهم في الدنيا قبل الآخرة.

وقد كان حب عبد الله للشهادة عظيمًا، حتى أن الله خاطبه كرامةً له. فقال النبي ﷺ لابنه جابر: «يا جابر، ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، ولقد كلم أباك كفاحًا، فقال: يا عبدي، سلني أعطك. فقال: يا رب، أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأُقتل فيك ثانية. قال: إنه قد سبق القول مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة». (رواه الترمذي)

فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران: 169)

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية دليل على أن الشهداء أحياء عند ربهم، وأنهم يُرزقون من نعيم الجنة». (تفسير ابن كثير، 1/414)

وقال الشاعر:

بدمائهم كتبوا الجهاد شهادةً …

فارتاحَ في جنّاتِ عدنٍ شهيدُ

إخواننا في غزة يصنعون التاريخ في هذه اللحظات الحاسمة، فهم رجال ليست حياتهم مجرّد أحداث عابرة، بل ستكون نورًا يُضيء طريق من يأتي بعدهم.

وقد كتب الله لهم هذا الموقف، ليميز الله الخبيث من الطيب، ونعلم – ويعلم الناس – من المناصر ومن المتواطئ، من يدافع عن دينه وأرضه ومقدساته، ومن يسلّم سلاحه، ويخشى الناس، ولا يثق بقدرة الله عز وجل.

إن ما يردنا من قصص في رمضان وغير رمضان من غزة، ليست مجرّد حكايات تُروى، بل دروس في الإيمان والتضحية والصدق في الجهاد. إنها قصص رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجعلوا الآخرة هدفهم… هؤلاء سيخلدهم التاريخ، وسيكونون قدوة لكل من ينشد طريق الحق والثبات عليه.

وغدًا… ومضة رمضانية جديدة.

redahelal@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى