
رضا هلال يكتب: انتخابات نقابة الصحفيين .. «نكون أو لا نكون»
ليس من قبيل التكرار، رغم أن التكرار مطلوب، ولكنه بنفس الروح التي كتبت مسبقا وكل همها هو النقابة التي هي ملاذ المؤيد والمعارض على السواء، وبنفس الكلمات والعبارات فالقلم مداده واحد، والعقل والقلب في مكانهما، والعقيدة راسخة رسوخ الجبال بأن نقابتنا هي حصننا الحصين المنيع.
يلتئم شمل الجماعة الصحفية بعد غدٍ الجمعة، في محطة فارقة من تاريخ نقابة الصحفيين، حيث تجرى انتخابات التجديد النصفي وسط أجواء محتدمة وتحديات جمة.
وهي ليست مجرد انتخابات نقابية تقليدية، بل لحظة فاصلة تُختبر فيها إرادة الجماعة الصحفية، وتُرسم فيها معالم مستقبلها في زمن تتقاذفه رياح التغيرات السياسية، والتضييقات الاقتصادية، والتحديات المهنية.
نقابة على حافة الأسئلة الكبرى
ليست هذه الانتخابات إلا انعكاسًا لسؤال أوسع: ما الذي تبقى من دور النقابة؟ وما الذي يمكن استعادته؟ هل تستمر كجهاز خدمي يغلب عليه الطابع الإجرائي، أم تستعيد دورها التاريخي كحاضنة للمهنة، وضامن لاستقلاليتها، ودرع لكرامة أصحابها؟
إن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في الحريات الصحفية، وتدهورًا في الأوضاع المعيشية والمهنية للصحفيين. وبات كثيرون يرون في الانتخابات القادمة فرصة أخيرة لإعادة الروح إلى جسد النقابة المتعب، بعد أن كادت تفقد قدرتها على التأثير والاحتشاد.
شائعات.. وحقائق مؤلمة
الأيام التي سبقت الانتخابات لم تخلُ من حملات ممنهجة، تداخلت فيها الشائعات مع المعلومات، وامتزجت الحقائق مع الافتراءات. فهناك من تعمد دس السم في العسل، وهناك من قرر صراحة أن يقدّم السم في كأس مغلف بخطاب براجماتي بارد. في خضم هذا كله، تاهت البوصلة أحيانًا، وتشوش الوعي الجمعي، بين من يراهنون على التغيير الحقيقي، ومن يكتفون بإدارة الأزمة لا تجاوزها.
رهان على الوعي.. لا على الشعارات
يوم بعد غد الجمعة ليس يوم صناديق فحسب، بل اختبار للوعي النقابي، واستفتاء على قدرة الصحفيين على استعادة زمام المبادرة. فليس المطلوب يوم الاقتراع والتصويت مجرد وجوه جديدة، بل رؤية واضحة، ومواقف جريئة، وإرادة مستقلة. فالمعركة لم تعد مع الدولة أو رأس المال فحسب، بل مع هشاشة المهنة، وتآكل المؤسسات، وفقدان الأمل.
بحر الخدمات وجدار القيم
وسط هذا المشهد، تتباين توجهات المرشحين الرئيسيين، ويبدو أن الجماعة الصحفية مطالبة بأن تختار بين طريقين متباينين في الفلسفة والدور.
أحد المرشحين يرى أن بوابة التأثير تمر أولًا عبر توسيع دائرة الخدمات، وتحويل النقابة إلى كيان خدمي صرف، يُغرقها في طلبات العلاج والإسكان والتقسيط، وربما لا يخرج بها من هذا البحر إلا وهي منهكة، أو غارقة تمامًا. ورغم أهمية تحسين أوضاع الصحفيين المعيشية، فإن هذا المسار – إذا لم يكن مصحوبًا برؤية نقابية حقيقية – قد يُفضي إلى اختزال الدور النقابي في “مكتب شؤون موظفين”.
في المقابل، يصر المرشح الآخر على التمسك بما تبقى من هوية النقابة، ويرى أن الدفاع عن الكرامة المهنية والحريات الأساسية ليس ترفًا، بل الحد الأدنى من الدور الذي لا يجوز التفريط فيه، حتى ولو كان الثمن هو الصدام مع قوى أكبر. وكما قلت مسبقا فإنه لا ينكر أهمية الخدمات، لكنه لا يقبل أن تكون هي العنوان الوحيد، ولا الغاية النهائية.
الاختلاف هنا ليس في البرامج فقط، بل في تصور كل منهما لوظيفة النقابة: أهي مظلة حقوقية ونقابية ومهنية؟ أم مجرد نادٍ كبير للموظفين فيه حوافز ومزايا دون مواقف ولا حضور؟
وستبقى الانتخابات فرصة، لا حلًا سحريًا. لكنها أيضًا قد تكون بداية طريق لاستعادة شيء من الهيبة والكرامة، إن أحسن الصحفيون الاختيار، وإن تجاوزوا الانقسام، وانتصروا للمهنة لا للأشخاص.
وعي الصحفيين هو الفيصل
وأؤكد أنه لن يكون الحسم بيد المرشحين، بل بيد من يمسكون بتلابيب القلم، أصحاب الرأي والكلمة، أهل العقل والضمير. فإما أن تنتصر النقابة كمفهوم ومؤسسة وكيان له تاريخه، أو تنزلق إلى حضيض البيروقراطية والمصالح قصيرة الأجل.
ويبقى السؤال: هل تنتصر “الخدمات” في مواجهة التحديات الوجودية؟ وهل يُقايض الصحفي حريته بمظروف علاج أو شقة في الإسكان؟ أم أن الوعي المتراكم في المهنة سيفرز ما هو أرفع من المقايضة، وأعمق من المصلحة؟
الجمعة ليست نهاية صراع، ولا مجرد يوم انتخابي، بل موعد مع الضمير المهني، وبداية اختبار حقيقي لما إذا كنا نستحق أن تبقى هذه النقابة نقابة!