
رضا هلال يكتب: اليمن و المخطوطات التلمودية.. تنازلات لا تشفع وعدوان لا يتوقف (1-2)
لم يشفع لليمن ما قدمته للصهاينة (الجماعة اليهودية العنصرية التي تحتل فلسطين) من إرث تاريخي نادر، حين سلّمت – طوعًا أو اضطرارًا – مخطوطات تلمودية تعود لقرون، كانت في حوزتها منذ أمد بعيد، بصحبة اثني عشر حبرًا يهوديًا من أقدم من تبقّى من الطائفة اليهودية اليمنية. هذه المخطوطات، التي لا مثيل لها في العالم، تم تهريبها أو تسليمها إلى «إسرائيل»، التي تقوم على احتلال ومحو الروايات التاريخية الأخرى، في محاولة لإعادة بناء سرديتها بمواد مستقطعة من ذاكرة الشعوب.
رغم هذه الخطوة غير المسبوقة، وبدلًا من أن تلقى اليمن جزاءً من يقدّم «ثمنًا سياسيًا» أو بادرة ناعمة لتقليل التوتر، تُقابل بسلسلة من الضربات العسكرية من الولايات المتحدة، بإيعاز من «إسرائيل» أو دفاعًا عن أمنها، في استمرار واضح لمنطق الكيل بمكيالين الذي يحكم السياسة الدولية.
الولايات المتحدة – التي تُقدّم نفسها راعية للاستقرار والسلام – انخرطت خلال الأشهر الماضية في تصعيد مباشر ضد اليمن، مستخدمةً ذريعة حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ومتجاهلةً تمامًا السياق السياسي الأوسع، حيث يأتي هذا التصعيد في ظل دعم غير محدود لـ«إسرائيل» في حربها على غزة، وفي الوقت ذاته، يتم التعامل مع اليمن كـ«طرف مشاغب» ينبغي كبحه بالقوة لا بالحوار.
لقد أصبح جليًا أن المعايير الأمريكية تتغيّر بتغير الموقع والمصلحة: ففي حين تُطالب بالتهدئة في أوكرانيا، تصبّ الزيت على النار في المنطقة العربية، وتدير ظهرها لأي معالجة سياسية عادلة تنظر إلى جذور الصراع لا إلى أعراضه العسكرية فقط.
ماذا نفعل؟
أمام هذا التعقيد الموجع، لا بد من التوقّف لإعادة النظر في كيفية مقاربة اليمن – وسائر الشعوب – لعلاقاتها الدولية، بعيدًا عن منطق التنازلات المجانية التي لا تُكافأ إلا بمزيد من الإملاءات والضغط.
أولًا، يجب توثيق هذه الوقائع وكشفها للرأي العام، ليس كقصة تاريخية فقط، بل كجزء من سردية سياسية توضح كيف يتم استغلال الرموز الثقافية والدينية لصالح مشروع لا يؤمن إلا بتفوقه وإقصاء الآخر.
ثانيًا، آن الأوان لبناء تحالفات جديدة قائمة على الندية والمصالح المشتركة، بعيدًا عن التبعية المدمّرة.
ثالثًا، لا رهان يعلو على الداخل. استقرار القرار الوطني، ووحدة الصف، والارتكاز على الوعي الشعبي، هي مقومات النجاة وسط عواصف لا ترحم الضعفاء ولا تحترم من يُفرّط في أوراق قوته.
وأخيرًا، ما زال هناك مجال لمخاطبة الضمير العالمي، عبر القانون الدولي، والمنصات الإعلامية، والمؤسسات الحقوقية التي تؤمن، ولو جزئيًا، بمفهوم العدالة. فالمعركة اليوم ليست فقط مع الطائرات والصواريخ، بل مع السرديات والروايات، ومع من يملك حقّ تسمية الضحية والجاني.
وغدا ننشر هنا على منصة نون الإخبارية القصة الكاملة لهذه المخطوطات التلمودية موثقة بمصادرها العربية والأجنبية.