
فلتسمح لي عزيزي القارئ أن اتنحى جانبا لدقائق لأفسح المجال هنا لعلامة محدث أزهري سبغ أغوار الحديث النبوي الشريف بالدراسة والعلم والفقه وينقلها إلى الناس راجيا القبول من الله والنفع للمسلمين وهو الأستاذ الدكتور أحمد السيد سحلول أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر الشريف لننهل من بعض بحور علمه في كتاب إلكتروني أسماه ومضات رمضانية.
والتسمية لدي ولديه (ومضات رمضانية) عنوانا لمقال يومي على شبكة نون الإخبارية وكتابه كذلك هي من توارد الخواطر لا أكثر ولا أقل.. وقد بدأ الدكتور ومضته بحديث رسول الله صل الله عليه وسلم.. عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ».
المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا، ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد أنه مخصوص بصيام خواص الخواص، فقال: إن الصوم على أربعة أنواع:
1ـ صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع
2ـ وصيام خواص العوام وهو الصوم وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل
3ـ وصيام الخواص وهو الصوم عن ذكر غير الله وعبادته
4ـ وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلا يوم لقائه.
«جُنَّةٌ»: سُتْرَةٌ وَمَانِعٌ مِنْ الرَّفَثِ وَالْآثَام ، وَمَانِعٌ أَيْضًا مِنْ النَّار
وإنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات .
«فَلَا يَرْفُثْ»: الرفث: السخف وفاحش الكلام .
والجهل قريب من الرفث، وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب، من القول والفعل.
والمراد من الرفث هنا: الكلام الفاحش، ويطلق على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء ويحتمل أن يكون النهي عما هو أعم منها
وَلَا يَسْخَبْ: هكذا هو هنا بالسين، ويقال بالسين والصاد وهو الصياح، وهو بمعنى الرواية الثانية: ( ولا يجهل ولا يرفث )
قال عياض: ورواه الطبري ( ولا يسخر ) بالراء؛ قال: ومعناه صحيح ، لأن السخرية تكون بالقول والفعل، وكله من الجهل، قلت : وهذه الرواية تصحيف وإن كان لها معنى.
أَوْ قَاتَلَهُ: نازعه ودافعه .
فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ: وفي رواية: ( فليقل : إني صائم . إني صائم )
هكذا هو مرتين، واختلفوا في معناه؛
1ـ فقيل: يقوله بلسانه جهرا يسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالبا .
2ـ وقيل: لا يقوله بلسانه، بل يحدث به نفسه؛ ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته ومقابلته ويحرص صومه عن المكدرات، ولو جمع بين الأمرين كان حسنا .
3ـ وقيل يفرق بين صيام الفرض والنفل فيقول ذلك بلسانه في الفرض ويقوله لنفسه في التطوع .
ونهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصا به ، بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد .
قال الأوزاعي: يفطر السب والغيبة
فقيل معناه: أنه يصير في حكم المفطر في سقوط الأجر لا أنه يفطر حقيقة .
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ: أقسم على ذلك؛ للتأكيد .
لَخُلُوف فَم الصَّائِم أَطْيَب عِنْد اللَّه مِنْ رِيح الْمِسْك يَوْم الْقِيَامَة: وَفِي رِوَايَة (لَخُلْفَةُ)
والخُلُوف: تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِيهِ بِضَمِّ الْخَاء
وغدا ومضة رمضانية جديدة