نون والقلم

رانيا أبو الدهب تكتب: على قدر نياتكم ترزقون

الكثير من الناس يستخدمون القول المعروف «الطيور على أشكالها تقع»؛ للإشارة إلى أن الأشخاص المتشابهين في الأفكار أو الصفات ينجذبون لبعضهم؛ وقد يشير به آخرون إلى بعض الأزواج والزوجات، الذين يتشابهون في أفكارهم أو سلوكياتهم وأحيانا أشكالهم.. فما أصل هذه المقولة؟!

في مصر فإن السائد حالياً استخدام هذه المقولة للإشارة إلى مجموعات أو ثنائيات من الرجال أو النساء يقومون بإيذاء الآخرين والتربص بهم، سواء بالقول أو بالفعل؛ مع أننا أحيانا نقابل أصدقاء قد لا تجمعهم ديانة واحدة ولا نفس الأصول. ولكن تشعر أنهم وجهان لعملة واحدة، ليس لوجود شبه في الشكل، بل بسبب ما نسميه «كيميا» فيما بينهم وتظهر للعيان من حولهم!!.

وهناك قول آخر في تفسير هذا المثل، وهو يشير إلى أن معنى الطيور على أشكالها تقع أنه رغم شكلها الذي يساعدها على الطيران بجناحيها وريشها وجسدها فإنها تقع على الأرض وتتحطم.

ولذا نقول هذا المثل في حياتنا في المواقف التي يخطئ فيها العالِمُ، والمواقف التي يفلس فيها الثري، والمواقف التي يبكي فيها القوي، والمواقف التي يحزن فيها الإنسان البشوش دائم الضحك واللهو.

ولكن هذا التفسير قد يكون بعيد بعض الشيء عن ما نفسره ونتداوله في واقعنا لهذه العبارة التي نتناولها باستمرار .

و قد حاول باحثون في علم النفس من جامعة «ترير» الألمانية التأكد من أن الإنسان أيضا يبحث وينجذب لمن يشبهه في شكله أو طباعه، كما يفعل الطّيور فقاموا بتجربة علي عدد 50 من الرجال والنساء ، فقاموا بعرض صور لنساء «مثيرات» على الرجال، ومعها أيضا صور أخرى لنساء تم إجراء تعديلات على وجوههن بشكل يجعل كل واحدة منهن تحمل بعض الملامح الشخصية لكل رجل من المشاركين في التجربة، ثم وضع نصف الرجال يدهم في مياه مثلجة لمدة ثلاث دقائق، كنوع من توليد الشعور بالضغط، ثم عرضوا الصور على الرجال وقام جهاز خاص برصد رد فعلهم، من خلال حركات معينة في عضلات العين.

وكانت النتيجة أن الرجال الذين لم يتعرضوا للضغط اختاروا النساء اللاتي تحمل وجوههن ملامح شبيهة لهم، فيما فضل الرجال الذين كانوا تحت الضغط صور النساء المثيرات، وتوصلت الدراسة إلى أن وجود تشابه بين شخصين يولد شعورا بالثقة المتبادلة بين الطرفين، وهو أمر ضروري في العلاقات طويلة المدى كالزواج مثلا .

فدعونا نتفق على أن اختيار الإنسان بقلبه او بعقله لإنسان فهو بالطبع يشبهه أو يتوافق معه في شيء ما. ربما السلوك او الطباع وربما يجتمعون علي مصلحة أو هدف واحد يربطهم. والفرق هنا بين الطائر والإنسان أن الطيور تسير في أسراب طبقا لمعايير وأهداف ثابتة لا تتغير. فلا يمكن أن تجد سرب الحمام به صقر مثلا.. فهناك فطرة إلهية في الطيور التي تغرد وتهاجر في مجموعات متشابهة في النوع والشكل .

ولكن الإنسان ممكن أن يترك السرب ويحلق بعيدا حينما تنتهي المصلحة أو يختلف مع شريكه على الهدف .

دعونا الآن نتوقف قليلًا عن التوافق في الشكل والمظهر الذي نراه بعيوننا، ولننظر للأفكار والجوهر. فالقرآن المجيد في آياته العظيمة يقول الحق تبارك وتعالى في سورة النور: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ».

فهذه الآية الكريمة تُشير إلى أن الخصائص التي تميز هذا تجعله يقترب من ذاك، ويتوافق معه. كل وفق طبعه، شرير لشرير، وطيب لطيب، وخبيث لخبيث، وصافي النفس لصافي النفس مثله.

فالإنسان يقع وفقا لاختياراته وليس له الحق أن يتبرأ منها فيما بعد أو يركن ذلك لسوء الحظ أو عدم التوفيق. فكل ما تختاره هو بإرادتك ووفقا لمتطلباتك فكل إنسان يعلم جيدا ما يريد. فهناك من يريد الشهرة أو المال أو الحب أو الجمال أو حتى من يصنع له الطيب من الطعام .

قناعاتك واحتياجاتك العقلية أو القلبية والشعورية هي من تختار وكل إنسان يختار حسب متطلباته واحتياجاته. وبما يتوافق مع سلوكه فأنتم بالفعل تشبهون اختياراتكم. ولكن الضغوط والمخاطر أحيانا قد تؤدي لحدوث خلل في هذا المبدأ.

وأخيرا عزيزي الإنسان.. كن شجاعا.. فليس من حقك بعد الاختلاف أو انتهاء المصلحة أن تقول: «ليس دائماً الطيور على أشكالها تقع. ياما الدنيا وقعتنا في ناس لا كانوا يشبهونا ولا يصلحوا لينا».

كن شجاعا.. ولا تنكر اختياراتك حتى وإن أخطأت حتى تستطيع تصحيحها في المستقبل القريب .

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى