نون والقلم

د. وليد عتلم يكتب: آفة حارتنا «الباقات المجانية»

آفة حارتنا «الباقات المجانية»، التي جاءت وبالاً علينا لتفتح الباب على مصراعيه أمام سلبيات السوشيال ميديا؛ أخلاقياً، اجتماعياً وسياسياً، واقتصادياً.

أبرز وأهم تلك الآفات نشر الشائعات السلبية حيث الإنترنت والباقات المجانية والفضاء المفتوح سمح لمزيد من التأثير والفاعلية للشائعات، الآن ونحن في خضم أزمة اقتصادية عالمية صعبة تزداد مخاطر تلك الشائعات خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد.

ففي فترات الأزمات الاقتصادية، من المهم إتاحة السلع والخدمات وتوفيرها، لكن الأهم هو الحفاظ على استقرار وحيوية تداول السلع والخدمات، طلباً وعرضاً، بيعاً وشراءً، في مواجهة الركود الناجم عن الكساد الاقتصادي.

غير أن منتديات ومواقع «الفيس بوك» التي تعد من أبرز أشكال نقل الشائعات، تبث علينا وعلى مدار الساعة، عديد المنشورات والتحليلات ذات الصلة بالاقتصاد وأسواق السلع والمنتجات، هذه التحليلات غير المدققة وغير العلمية، تزداد مخاطرها وآثارها المدمرة على الأسواق بشكل خاص في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على توقعات واتجاهات أداء الاقتصاد العالمي، ومن ثم أداء الأسواق المحلية.

سوق مواد البناء عامة، وحديد التسليح خاصة، النموذج الأبرز  في مصر على هذا الضرر الكبير التي تسببه تلك التحليلات والشائعات الاقتصادية؛ هل تتخيل عزيزي القارئ أن شخصين أو ثلاثة منتشرين ما بين صفحات ومنتديات مواقع التواصل «فيس بوك» و «تليجرام» ومجموعات الــــ «الواتس آب» لديهم القدرة على ربط سوق الحديد والأسمنت في مصر وإصابتهم بالشلل التام لمدة قد تصل لأسبوع بمنشور واحد فقط، هذا المنشور دائماً ما يحتوي على نصف الحقيقة فقط الخاصة بالأسعار اللحظية المتداولة للمواد الخام عالمياً، متجاهلين تماماً التكاليف الحدية، والتشغيلية للمصانع الوطنية، إلى جانب تبعات تحركات أسعار الفائدة وانعكاساتها على الإقراض، وأسعار الطاقة المحلية من كهرباء وغاز.

حيث ينطلق هؤلاء أصحاب «الباقات المجانية» ــــــــــ الذين يدعون المعرفة، وهم أبعد ما يكونون عنها ـــــــــ ويطلقون التحليلات القاصرة والتوقعات الخاصة بتسعير المنتجات ارتفاعاً وانخفاضاً، حيث تنشر معلومات منقوصة وغير مكتملة، تُبنى عليها قرارات خاطئة، تزيد من حالة عدم اليقين ما يجعل شركات المقاولات (في حالة سوق مواد البناء)، والحلقات التجارية الوسيطة، والمستهلك النهائي يتجهون للإحجام عن الشراء وتأجيل تنفيذ المشروعات انتظاراً للأسعار الجديدة المزعومة واستقرار الأسواق. وهو ما يزيد الأسواق ركوداً على ركودها.

ورغم الجهود التوعوية الكبيرة للدولة على مدار السنوات الخمسة الماضية في مواجهة الشائعات، لا تزال أحد أبرز أزمات المجتمع،  الدليل على ذلك؛ سلسلة تقارير حصاد قطاعات الدولة في عام 2021، التي أشار فيها المركز الإعلامي لمجلس الوزراء إلى أن عام 2021 جاء في الصدارة بنسبة تبلغ 23.5%، وذلك مقارنة بـ 22.9% عام 2020، و20.1% عام 2019، و12.9% عام 2018، و9.3% عام 2017، و6.5% عام 2016، و3.1% عام 2015، و1.7% عام 2014، في ترتيب السنوات طبقاً لمعدل انتشار الشائعات خلال الفترة من 2014 لـ 2021، وهو ما يوضح أن ظاهرة الشائعات آخذة في الانتشار والتزايد وليس الانحصار.

وقد استعرض التقرير ترتيب القطاعات طبقاً لنسبة استهدافها بالشائعات خلال عام 2021. حيث في المراتب الثلاثة الأولى؛ جاء قطاع التعليم في الصدارة بنسبة 25,8%. تلاه قطاع الاقتصاد بنسبة 22,6%، ثم الصحة بنسبة 12,2%. وهو ما يوضح مدى الضرر البالغ الذي يلحق بالاقتصاد الوطني جراء تلك الظاهرة.

لذلك؛ يبقى الإطار القانوني هو الرادع لحماية اقتصاد ومقدرات الوطن من عبث الشائعات. وأرجو من مجلس النواب ولجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات برئاسة النائب الصديق أحمد رجب بدوي. في مراجعة الأجهزة المسئولة وتشديد تنفيذ مواد القانون قانون رقم 175 لسنة 2018. في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الذي زاد من عقوبة ناشر الأخبار الكاذبة لتصل للحبس لمدة عامين. وغرامة قد تصل لـ100 ألف جنيه.

والمادة رقم 188 من قانون العقوبات التي تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة. وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين. كل من نشر بسوء قصد أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة. أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير. إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

 

  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى