
د. عادل رضا يكتب: ترامب ودقات قنبلة النهاية
يقول الإمام الخميني رحمه الله: «إن كل مشاكل التي تعاني منها الشعوب هي بسبب القوي الكبرى» و«أن السلام والأمن العالميين مرهونان بزوال المستكبرين، وما دام هؤلاء المتسلطون الجهلة موجودين على الأرض، فأن المستضعفين لن يستطيعوا ان يصلوا الى ارثهم الذي وعدهم الله به» و«لقد رأينا من المصائب من أمريكا ما لم نره من أحد».
يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه القران الكريم: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا النساء 76
إن هناك واقع أمريكي داخلي وخارجي يعيش في الضعف المتواصل الممتد إلى واقع اشمل للحلف الطاغوتي الربوي العالمي، حيث يتجهان سويا إلى حالة من التدمير الذاتي والانهيار الشامل الذي قد يعم العالم.. كل العالم، وهذه المسألة تأتي ضمن افلاس الليبرالية الكلاسيكية وكذلك خواء الليبرالية الجديدة «النيوليبرالية» مع توجهاتها الشاذة عن الطبيعة البشرية، فهذا الإفلاس والخواء هي من تجعل الولايات المتحدة الأمريكية ضمن حالة الإنعاش ما قبل الموت وك «قنبلة موقوتة» تنتظر الانفجار لينتهي كل شيء.
إن القضية الفلسطينية ومصلحة العرب وما ينفع الكرة الأرضية هو كان فوز الحزب الديمقراطي أو كاميلا هاريس أو أي أحد من المنظومة الكلاسيكية الحاكمة هناك وهو لم يحصل بطبيعة الحال مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
مع ذلك فإننا نقول: أن هكذا فوز للديمقراطيين إن كان حصل فأنه سيكون اسوا لنا كـ «عرب» وباقي العالم على المستوي القصير زمنيا، ولكنه أفضل لنا ولباقي العالم على المدى الطويل المدى زمنيا، لأن في ذلك استمرار لدقات قنبلة النهاية للولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما لم يحصل مع فوز ترامب، الذي قد يمنع دقات تلك القنبلة والتدمير الذاتي وينقلها ضمن حالة من التوقف أو التأجيل، فالحالة الوطنية الأمريكية الشعبية التي يمثلها «ترامب» كـ«شخص» قد يجعل الولايات المتحدة تتقوقع وتنحصر ضمن محيطها لتصليح أوضاعها الداخلية والاقتصادية منها خصوصا لكي تستطيع العودة مجددا للسيطرة الشاملة الأحادية القطبية على العالم.
طبعا كانت التوقعات ان هناك تزوير للانتخابات الرئاسية سيتم تنفيذه وهذه التوقعات جاءت مع محاولات اغتيال ترامب المتكررة الفاشلة والتي لم يركز أي أحد بعد حصولها على تفاصيلها ومن ورائها إعلاميا أو قضائيا أو جنائيا، وسط تغييب كامل شامل على المعتدين ومن يقف خلفهم؟ نحن نقول:
إن التوقعات كانت تصب مع فشل محاولات الاغتيال المتكررة هذه مع حصول تزوير للانتخابات؟! وهذا ما لم يحصل مع شعبية ترامب الكاسحة إذا صح التعبير، ولعل ذلك له علاقة مع ضمان الحركة الصهيونية لتنفيذ اجندتهم الحاكمة على كل من يكون في موقع الرئاسة الأمريكية في البيت الأبيض؟
ما يناقض هذا الكلام ان 79 في المائة من يهود الولايات المتحدة الأمريكية قد صوتوا لـ كاميلا هاريس مع كل ما قدمه ترامب من تقبيل لمؤخرات الصهاينة وكل ما قاله ووعد لفعله للكيان الصهيوني المقام على أرض دولة فلسطين المحتلة، ومع ذلك لم يساندوه ولم يدفعوا به لموقع الرئاسة وهذا له علاقة بما سنشرحه لاحقا من أن شخصية ترامب غير قابلة للتنبؤ او للتوقع بما تنوى القيام به وهي شخصية قد تتمرد بأي لحظة بما يخالف مشاريع الصهاينة لأنه ليس صاحب توجه واضح.
علينا أن نعلم أنه بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية لن يكون هناك أي فرق عن شخص من سيكون في واشنطن يدير البيت الأبيض لأن «الحاكم الحقيقي» والسيطرة الواقعية هي في الكيان الصهيوني العنصري المقام على أرض دولة فلسطين العربية المحتلة وليس في واشنطن، فمركز القوى الأمريكية هو في فلسطين المحتلة والقرار هناك.
في النهاية ليس هناك أي فرق بين الشخصيات، فاز ترامب أو كاميلا؟ ولكن ما هو مختلف ومتغير الذي علينا أن نعرفه:
أن دونالد ترامب من منظور أمريكي داخلي هو محب لبلده وسينطلق من حالة وطنية أمريكية إذا صح التعبير وفي نفس الوقت هو كـ «نسان غير مستقر» وهو خارج كلاسيكيات المنظومة الأمريكية الحاكمة وليس جزء منها وهو «لا» يلتزم بأي «سيناريو» أو برمجة مسبقة؟! أو تنبؤ فيما سيقوم به تجاه أي حدث دولي أو داخلي، فهو متغير منقلب انفعالي اندفاعي في قراراته.
هل ترامب صهيوني؟ الإجابة هي نعم، بكل تأكيد، ولكن هناك معادلة وطنية أمريكية داخلية تتحكم به وتسيطر عليه كـ«شخص» وهنا الفارق والمتغير ب «خلاف» وعلى «تناقض» من كاميلا هاريس، والتي تمثل أحد الكلاسيكيات وما هو متوقع وما يمكن التنبؤ به من «الليبرالية» داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وما يمكن قراءته كـ «أحد مكونات المنظومة الكلاسيكية الحاكمة» إذا صح التعبير فهؤلاء يتحركون ضمن اجندة الليبرالية الجديدة من برمجة اللوطية والغاء الخصوصيات القومية وتدمير العائلة ومحورية الأب فيها.
إذن ترامب ليس لديه توجه سياسي كلاسيكي أمريكي و«لا» نستطيع أن نضعه ضمن «قالب أمريكي قديم»، فهو أساسا موصوف بـ «رجل الأعمال» أو «التاجر» فليس لديه منظومة أفكار إلا ارتباطه العاطفي في بلده أو التيار القومي الوطني الأمريكي فهو ليس يساريا أو يميني، وأيضا علينا أن نعلم أن ترامب لديه مشروع «ترامب» نفسه كـ«شخص» وكـ«ذات»، فمشروع ترامب هو ترامب؟! أيضا؟!
ضمن هذه «الدائرة الصهيونية القومية الأمريكية الذاتية» التي يمثلها دونالد ترامب «لا» شك ان لديه خطط تعديل الوضع الاقتصادي الأمريكي وهذا ما هو ضار للعرب ولباقي المسلمين؟
بالنسبة إلى الحروب وإنهائها فالمسألة ليست في يد «ترامب» ولا ضمن قدراته الواقعية وليس في مقدوره أن يعاند أو يناقض المنظومة الحاكمة الأمريكية في هذا المجال، وإذا فعل ذلك فأن مصيره سينتهي حاله حال «جي إف كيندي» في الاغتيال والتصفية الجسدية، لذلك قرار إيقاف الحرب في دولة فلسطين المحتلة أو في لبنان، فليس هو صاحب القرار الحقيقي ولكن من الممكن أن يحاول إيقاف الحرب الأوكرانية لأسباب سنفصل فيها وهذه المسألة ضارة بنا كـ«عرب» وكـ«مسلمين» أيضا، لأن الانتصار الروسي في الموقع الأوكراني هو في صالحنا وضمن فائدتنا.
إن ترامب قد يركز على الجانب الصيني والتايواني لأن بها تأثير «إيجابي» على الاقتصاد الأمريكي، لذلك تأجيل او إيقاف الصراع الأمريكي مع روسيا في الموقع الاوكراني هو ضمن ما يريده ترامب، لأنه «اقتصاديا» في حاجة لذلك ولعل هذا ما قد يدفع ترامب لتقديم تنازلات او تفعيل طاولات الحوار لتأجيل الصراع او حتى اغلاق الملف الاوكراني، ولكن كما ذكرنا سابقا ان هكذا اغلاق ليس في صالحتا كـ«عرب» وكـ«مسلمين».
إن حرب أوكرانيا مع الروس ليست فقط حيوية بل إن لها أهمية عظمى في تغيير قواعد اللعب الدولي في كامل الكرة الأرضية وهو في طبيعة الحال ليست فقط مواجهة عسكرية غير مباشرة مع الحلف الطاغوتي الربوي العالمي يقوم بها الروس الأوراسيين بل هي «مواجهة ثقافية معرفية نيوليبرالية» ضد قيم العائلة تضرب الأديان والعادات والتقاليد مؤيدة للشذوذ الجنسي ومع الغاء الخصوصيات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة، وهي نيوليبرالية شريرة مع كل ما يدمر المجتمع ويحطم الطفولة.
في الجانب الروسي الأوراسي هم كـ «طرف» يقاومون تلك الأمور ويرفضونها على العكس تماما من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي حيث الروس الأوراسيين هم مع الدين والعادات والتقاليد والقيم والاسرة فنحن هنا نتكلم عن «حرب أيديولوجية معرفية ثقافية» وهذه الحرب مهمة جدا ومشكلتنا نحن العرب اننا «لا» نركز عليها و«لا» نهتم بها وهي جزء من صراع أكبر عالمي شامل لكل الكرة الأرضية انتقالي من عالم القطب الواحد الى عالم متعدد الاقطاب.
مع فوز ترامب كذلك من أكثر الخاسرين هي القارة الاوربية لأنه قد يشجع على تفكيك الاتحاد الأوربي وخاصة مع الانقسام الأوربي بين المانيا وفرنسا كرافعات لليبرالية وبين دول اوربية أخرى ك بلغاريا وهنغاريا وبولندا التي تريد ما هو أوروبي كلاسيكي إذا صح التعبير وهي كذلك مضادة لسياسات الهجرة.
ومع وجود توجهات قومية وطنية في داخل ألمانيا وفرنسا فأن هناك تخوف أن مع فوز ترامب سيتم إحياء وتقوية هذه التوجهات القومية الأوربية الوطنية في مقابل الليبرالية.
إن علينا أن نعرف ونعلم أن الاتحاد الأوربي هو حالة تحالفية بين الليبرالية والتجارة، فمع فقدان الليبرالية لن يستمر هذا الاتحاد كما هو عليه وهذا يعني خسارة او ضربة للأوربيين مضافا عليه ما قد سيحصل من تدخلات ترامبية مع الروس وإيقاف او تأجيل الموضوع الاكراني كما ذكرنا سابقا فهنا تكون خسارة الاوربيين حتمية واقعة «لا» محالة وستكون من أكبر الخاسرين كـ«منظومات» حاكمة وأحزاب مسيطرة ضمنها.
طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشؤون العربية والإسلامية
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية