
د. إيمان علاء الدين تكتب: زيارة تاريخية وآفاقًا جديدة للشراكة الاستراتيجية
اختتمت الزيارة، لكن أصداءها ستبقى حاضرة في صفحات التاريخ لزمن طويل. انتهت الزيارة، ولكن أثرها سيمتد عميقًا في تعزيز شراكة استراتيجية مستدامة بين البلدين.
انتهت، إلا أن المشهد الإنساني المؤثر في العريش شاهده عن قرب مسؤول رفيع المستوى ليظل محفورًا في الذاكرة. ورغم انتهاء الزيارة، فإن صدى القمم الثلاثية والمحادثات الدولية التي شهدتها سيستمر في رسم ملامح مستقبل المنطقة.
في الساعات الأخيرة، تابعنا تفاصيل زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر التي وُصفت بأنها تاريخية بمختلف أبعادها. زيارة تمثل لحظة فارقة ستُخلد بحروف من نور في سجلات العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا.
إنها زيارة ستتناقلها الأجيال القادمة مطولًا، وستكون نموذجًا يُدرس في كتب السياسة والعلاقات الدولية بفضل ما اتسمت به من منهجية وتنظيم.
ووفقًا لما أعلنه المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الاتحادية ضمن زيارة رسمية رفيعة المستوى.
تناولت المباحثات سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وأسفرت اللقاءات عن رفع مستوى العلاقات إلى شراكة استراتيجية عبر توقيع مذكرات تفاهم تفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين الدولتين.
كما تضمنت الزيارة محطة إنسانية ذات رمزية كبيرة تمثلت بزيارة الرئيسين إلى مدينة العريش، حيث تم استعراض الجهود المصرية في تقديم الدعم للمصابين الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.
أظهرت الزيارة التضامن والفهم المشترك لقيم الإنسانية، إذ قام الرئيسان معًا بزيارة مستشفى العريش ولقاء جرحى فلسطينيين – بينهم نساء وأطفال – وكذلك تفقد مركز الهلال الأحمر المصري لتجميع المساعدات المُوجهة للقطاع.
وخلال الزيارة، أكد الرئيس السيسي موقف مصر الداعم للشعب الفلسطيني ومساعيها الحثيثة لوقف العدوان وفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات. بدوره، أشاد الجانب الفرنسي بالدور المصري، مؤكدًا التزامه بالتعاون لدعم المصابين الفلسطينيين.
وعلى صعيد آخر، شهد اللقاء الثلاثي الذي جمع مصر وفرنسا والأردن مناقشة القضايا الإقليمية والتنسيق المشترك للوصول إلى رؤية موحدة حول سبل تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.
دعا القادة لدعم خطة إعادة إعمار غزة المعتمدة مؤخرًا، وشددوا على ضرورة حصول السلطة الوطنية الفلسطينية على دور مركزي في إدارة غزة بدعم إقليمي ودولي. كما عبّروا عن استعداد دولهم لتقديم المساعدة بهذا الصدد بالتشاور مع الشركاء. واتفق القادة على تسريع العمل باتجاه مؤتمر يونيو المقبل لتعزيز تنفيذ حل الدولتين واستعادة الأفق السياسي.
أما على المستوى الداخلي، شملت الزيارة تفقد محطة عدلي منصور المركزية والخط الثالث لمترو الأنفاق. أشاد الرئيس السيسي بالتعاون المثمر مع الشركات الفرنسية في قطاع النقل، مؤكدًا حرص بلاده على توطين الصناعات المتعلقة بهذا المجال.
في المقابل، أعرب الرئيس ماكرون عن إعجابه بالمشاريع الطموحة وتطور البنية التحتية للنقل بمصر، مشددًا على رغبة فرنسا بالمشاركة في خطط التطوير المستقبلية.
اختتمت الزيارة بحضور المنتدى الاقتصادي المصري الفرنسي، حيث أكد الرئيس السيسي أهمية الاستفادة من الخبرات الفرنسية وتعزيز جذب الاستثمارات لمصر. تناول المنتدى توقيع عدة مذكرات تفاهم وإعلان جديد لرفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وشهد اللقاء التأكيد على أهمية دعم جهود تنمية العلاقات الاقتصادية وتوطين الصناعة بين البلدين.
كما شهدت الزيارة حدثًا بارزًا بتنظيم ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية، والذي تم خلاله توقيع 42 بروتوكول تعاون بين 13 جامعة مصرية و22 جامعة فرنسية. جاءت هذه الخطوة تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي.
تضمنت الاتفاقيات إنشاء 70 برنامجًا أكاديميًا لتلبية متطلبات سوق العمل المستقبلي، من بينها 30 برنامجًا لمنح درجات علمية مزدوجة. كما تضمنت الاتفاقيات دعم مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ من خلال برامج مشتركة وتبادل الكوادر الطلابية والأكاديمية وتطوير الأبحاث المشتركة، إلى جانب إطلاق برامج دراسية مزدوجة عبر 15 تخصصًا علميًا متنوعًا.
كما تصدرت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجامعة القاهرة عناوين الصحافة ووسائل الإعلام العالمية، وبحسب بيان المكتب الاعلامي للجامعة، بأنه تم التركيز على مظاهر الاستقبال الحافل وأهمية هذه المحطة الرمزية في تعزيز العلاقات المصرية الفرنسية والتأكيد على مكانة جامعة القاهرة كمنارة للعلم في العالم العربي.
ووصفت العديد من وسائل الإعلام خطاب الرئيس ماكرون تحت قبة جامعة القاهرة بأنه «مؤثر» و«استراتيجي»، مشيرة إلى تناوله قضايا جوهرية مشتركة تتعلق بالهوية والانفتاح الثقافي وسبل تعزيز التفاهم والحوار بين الشعوب. كما سلطت الضوء على الرسائل القوية التي حملها الخطاب بشأن أهمية التعليم ودوره في بناء المستقبل.
خلصت الزيارة بعدما تضمنت لقاءات واجتماعات وزيارات ومنتديات ورسائل مباشرة وخطط واضحة وبروتوكولات تعاون ومذكرات تفاهم وفاعليات أخري كثيرة.. فاعليات أكدت على أن الدولة المصرية ماضية على العهد للمضي قدماً نحو مستقبل أفضل لمصر وللمصريين، فاعليات شاهدة على مدي إخلاص القيادة السياسية المصرية، فاعليات أظهرت قوة وصلابة الشعب المصري والاصطفاف خلف قيادته، فاعليات كانت وستظل شاهدة على إنجازات ومشروعات عظيمة.. فتحيا مصر دائما وأبدا.. تحيا الجمهورية الجديدة.
أستاذ التكنولوجيا الحيوية المساعد بعلوم القاهرة
abdelfattahemanalaaeldin@gmail.com