نون والقلم

د.إدريس لكريني يكتب: المغرب والصين ومقومات التعاون

أضحت الصين من ضمن الأقطاب الدولية الوازنة في الوقت الراهن، فعلاوة على إمكانياتها البشرية الهائلة المتعلمة والمدرّبة، وشساعة مساحتها، فهي تشهد تطوراً اقتصادياً مذهلاً ومتسارعاً، كما أنها تحظى بمكانة دولية متميزة من حيث استثمار وتطوير التقانة الحديثة واعتماد الطاقة المتجددة كخيار استراتيجي، علاوة على إنجازاتها على مستوى غزو الفضاء.

اتخذت الصين من الانفتاح على البلدان النامية خياراً لها، وطوّرت إمكانياتها الاقتصادية بصورة ملحوظة، حيث أضحت منتوجاتها المختلفة تغزو الأسواق العالمية بفعل قدرتها التنافسية الكبيرة.

سعت العديد من الأقطار العربية مع ظهور حركة عدم الانحياز إلى الاعتراف بالصين الشعبية بعد ثورة 1949 ودعّمت حكومتها باعتبارها ممثلة شرعية وحيدة للصين في الأمم المتحدة؛ رغم الرفض الذي قوبل به الأمر من لدن البلدان الغربية، قبل أن تتطور هذه العلاقات مع قيام الصين بدعم عدد من الملفات العربية؛ كما هو الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية.. وتأكيد العرب على وحدة الصين.

تمتدّ العلاقات المغربية – الصينية إلى تاريخ بعيد، حيث أسهمت رحلات ابن بطوطة للصين في بداية القرن 15، وزيارة صينيين للمغرب خلال هذه الفترة أيضا في تعميقها.. ويعدّ المغرب البلد الثاني الذي أقام علاقات دبلوماسية مع الصّين الشعبية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1958، وتعزّزت هذه العلاقات مع التوقيع على اتفاقية التعاون بين الجانبين عام 1982، وكان المغرب هو أول دولة إفريقية انخرطت في مبادرة «الحزام والطريق»، التي دشنتها الصين، فيما أسهمت زيارة العاهل المغربي محمد السادس لهذا البلد عام 2016 في تطوير العلاقات بين الجانبين.

ويبدو أن هناك مقومات تدعم تعزيز هذه العلاقات، فالمغرب يوفّر إمكانيات واعدة على مستوى الاستثمار والسياحة؛ ويشكّل سوقاً تجارية مربحة، كما يمكن أن يلعب دوراً مهماً يتيح للصين الانفتاح على الواجهة الأطلسية وعلى غرب إفريقيا، ويقدّم النموذج التنموي للصين تجربة جديرة بالاقتداء.، كما أن الثقل الذي تحظى به الصّين في الساحة الدولية؛ يشكل عامل توازن دولي يمكن أن يفيد القضايا الدولية العادلة ويدعم المصالح المغربية.

لا تخفى أهمية المحدّد الثقافي في العلاقات الدولية كعامل داعم يمنحها قدراً من الاستدامة والقوة؛ في إطار ما يعرف بالقوة الناعمة.. فبالإضافة إلى عراقة الدولتين، ثمة الكثير من القيم المشتركة بين البلدين والتي توفر أساساً لبلورة علاقات متينة.

فهما معاً نجحا إلى حد كبير في تحقيق التنوع المجتمعي في إطار الوحدة، فالمغرب الذي يتميّز بثرائه الثقافي وتنوعه المجتمعي؛ وظلّ على امتداد التاريخ ملتقى للحضارات والثقافات المختلفة؛ راكم في السنوات الأخيرة مجموعة من الجهود والتدابير الرامية إلى تمتين هذه الوحدة وتوظيف هذا التنوع على وجه حسن. وقد لعب عامل الموقع الجغرافي للمغرب في الشمال الإفريقي كمركز لعبور واستقرار أجناس من مختلف الحضارات والثقافات.

وتتعايش داخل الصين أكثر من 56 قومية و7 ديانات، في إطار من التماسك، وهو ما يعكسه تنوع اللغات والثقافات واختلاف العادات، والتراث الغني، وقد نجحت الصين إلى حدّ كبير في استثمار هذا الغنى الحضاري بصورة بنّاءة في تعزيز مسارات التنمية داخل هذا البلد وتعميق حضوره الدولي.

كما أن البلدان معاً يتسمان بالاعتزاز بالخصوصية والانفتاح على المحيط، وهو ما يعكسه المزج بين الثقافة التقليدية والحديثة والتعايش مع الثقافات الإنسانية المختلفة، وبلورة إصلاحات سياسية هادئة ومتدرجة في إطار الاستمرارية، سمحت بالتفاعل الإيجابي مع التحولات الدولية الكبرى التي أفرزتها نهاية الحرب الباردة.. وما واكبها من متغيرات..

وتقدم الصين نموذجاً منفرداً في الانفتاح على متغيرات المحيط الذي لم يكلفها خصوصياتها الثقافية والتاريخية؛ ذلك أن انخراطها في مواكبة التحولات التي فرضتها العولمة بمختلف تجلياتها؛ لم يمنعها من التّشبث بمقوماتها الحضارية والثقافية. وجاء انعقاد المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في الثامن من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في فترة ترزح بتداعيات الأزمة المالية الدولية التي طالت اقتصادات الدول الرأسمالية الكبرى.. جسّد محطّة للانتقال الهادئ للسلطة داخل الدولة، ورصد التوجهات الاقتصادية والسياسية التي ستتبعها الصين مستقبلاً، بما يدعم التحوّل السياسي الهادئ، وتعزيز حضورها الدولي..

كما يتقاسم البلدان معاً رؤية مشتركة تدعم أنسنة ودمقرطة العلاقات الدولية، فالثقافة الصينية تقوم على فلسفة السلام والتواصل والتنوع ونبذ العنف، ونفس الأمر ينطبق على المغرب الذي يقوم على الوسطية والاعتدال والانفتاح ونبذ التطرف والإرهاب.

تتماهى مواقف الجانبين إزاء عدد من القضايا الدولية الكبرى؛ كما هو الأمر بالنسبة، لدعم القضية الفلسطينية ومختلف القضايا العربية العادلة؛ والحرص على وحدة وسيادة الدول، ورفض استخدام حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في شؤون الدول داخلياً.

كما لا تخفى الأدوار المهمّة للمغرب والصّين داخل إفريقيا باتجاه بلورة تعاون بنّاء في إطار جنوب – جنوب؛ مبني على تبادل المصالح بعيداً عن الهيمنة.. مع رفضهما للتطرف والإرهاب وانخراطهما في مواجهة هاتين الظاهرتين العابرتين للحدود؛ وبلورة مجهودات تدعم التضامن الإنساني في إفريقيا عبر تقديم المساعدات؛ والمساهمة في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وبلورة جهود دولية وإقليمية تدعم السلام العالمي.

نقلا عن صحيفة الخليج

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى