اخترنا لكدوشة فنية

حنان أبو الضياء تكتب: «ريش».. حكاية «دميانا نصار» والزوج المدجن!

إننا هنا في «ريش» بمكان غير مسمى؛ يمكن أن يقع بأي بقعة بالأرض وفي أي زمن؛ الأحداث تدور في مبنى مكون من عدة طوابق؛ يشبه المساكن الشعبية؛ قريب من المصانع؛ يسكن في أحد الشقق به؛ أسرة مكونة من أم وأب وثلاثة أطفال أحدهم رضيع؛ الأم التي تحرك الأحداث وديعة وصامتة؛ مكرسة وجودها تمامًا لعائلتها؛ تتحرك يمينا ويسارا لإنجاز الأعمال اليومية والمتكررة؛ تنقلب حياتها رأسًا على عقب بعد حفلة عيد ميلاد ابنها عندما يتحول زوجها الذي أحضر ساحر احتفالا بعيد ميلاد ابنه وبخدعة سحرية إلى دجاجة.

إذا كانت حكاية عائلة تفقد معيلها الرئيسي، وتضطر إلى إيجاد طريقة للعيش، قد تبدو تقليدية للغاية؛ إلا أن فيلم «ريش» Feathers حولها إلى قضية للنقاش وإثارة الجدل المجتمعي؛ باستخدام أسلوب درامي شيق وغير تقليدي؛ وبتناول سينمائي كاشف للعديد من الحقائق، بشكل أقوى وأعمق؛ مقدما دراما تضع الكثير من الناس أمام أنفسهم وحياتهم .

ريش
فيلم ريش
دميانا نصار
دميانا نصار

وبالطبع وكما يقول روبرت مكي:«قد يكون لديك نفاذ بصيرة بوذا، لكن إذا لم تكن تستطيع أن تحكي قصة، ستصبح أفكارك جافة مثل الطباشير». لذلك يجب أن تتعاقب الأحداث في فيلم «ريش» لتخلق عملا يحتوي على فكرة وقصة؛ لها مفرداتها من التشويق وتدبر المعاني المقصود توصيلها إلى المشاهد.

فكرة الفيلم الرئيسية تتناول قضية المرأة المعيلة في مصر؛ والتي كثيرا ما تتحمل الأعباء الأسرية بمفردها رغم وجود الزوج؛ وأراد المخرج أن يقدم الفكرة بشكل فانتازيا فأطلق العنان لخياله وبدلا من جعل الزوج عاجز عن الانفاق لأي سبب؛ حوله إلى دجاجة؛ وبذلك قدم حبكة بجدية. وفي نفس الوقت عبثية كوميديا، مما يساعد على فتح نافذة على الصعوبات التي تواجهها العديد من العائلات المصرية العادية، حيث تجد الأم نفسها مضطرة للبحث عن دخل ورعاية كل من أطفالها وحيوانها الأليف الجديد (الزوج الذي أصبح دجاجة) الذي يبتلع البذور، وفي نفس الوقت تحاول أيضًا إيجاد طريقة للتخلص من خطأ الساحر .

مشهد من الفيلم

بطلة الفيلم «دميانا نصار» أول مرة تقف أمام الكاميرا؛ شخصية عادية مثل الكثيرات في العالم. التي يكافحن يوميا لإعالة أسرهن؛ لها عيون ربة منزل حزينة، أم لولدين صغيرين وطفل رضيع. تعيش مع زوجها (سامي بسيوني) الذي لا يجيد أدارة الأمور. فهو لا يدفع القسط الشهري للشقة التي يمتلكها من الإسكان. ومع ذلك يحضر نافورة كهربائية يتعدي ثمنها عدة آلاف من الجنيهات، بينما حوائط الشقة غير مطلية. يعطي زوجته مبالغ ضئيلة للطعام؛ بينما يقيم عيد ميلاد لابنه يحضر فيه الجاتوه وتورتة عيد الميلاد؛ بل وفقرة للساحر أيضا.

يحدث التحول غير القابل للتفسير عندما يدخل الزوج في الصندوق كجزء من خدعة يقوم بها الساحر. ثم يسحب الساحر من الصندوق دجاجة بيضاء، لكنه لا يستطيع استعادة الزوج مرة أخرى. ما حدث بالفعل تم الكشف عنه لاحقًا؛ على الرغم من عدم شرحه منطقيًا. فلقد ظهر االزوج بعد ذلك بعد القبض عليه كأحد المشردين.

في هذه الأثناء، يجب على الزوجة أن تتعامل مع الغياب المفاجئ لمُعيل الأسرة، ورعاية الدجاج وبذل كل ما في وسعها لإبطال أي تعويذة ؛ هنا نكتشف قوة تلك المرأة التي استطاعت إنقاذ الشقة من الضياع بدفع بعض الشهور المتأخرة من الأقساط؛ إلى جانب أن طعام أولادها تغير وأصبح به كل أنواع الطعام؛ بالطبع كان العثور على عمل ليس بالأمر السهل، وهي تمر بعملين قبل أن تحصل على وظيفة مستقرة نسبيًا.

دميانا نصار

 

فيلم ريش
مشهد عيد الميلاد

ومع مرور الوقت تغيرت حياة المرأة تدريجيًا. وأصبحت أكثر قوة وقادرة على إتخاذ القرار؛ لذلك عندما حاول صديق الزوج مضايقتها لجأت إلى مخاطبة شهامة صاحب العمل. الذي أشبعه هو وعماله ضربا؛ بل إنها في النهاية قررت التخلص من الزوج والدجاجة في نفس الوقت. ولم تظهر أي رحمة لحماية نفسها وأولادها والتخلص من القيود المحيطة بها.

في ريش استخدم المخرج بناء درامي يعتمد على الصورة. بدلا من الحوار الذي يكاد يكون مختفيا في العديد من المشاهد التي تظهر فيها البطلة منذ البداية. وهو ما ساعد على إبراز رؤيته التي تميل إلى طرح مأساة المرأة المعيلة في عالم ذكوري لا يرحم. لذلك وجد الحل الأمثل في تدجين الزوج كفعل يشير بقوة إلى رمزية الفكرة.

المخرج عمر الزهيري في «ريش» مال إلى استخدام الكوميديا الاجتماعية السوداء؛ التي تستخدم عادة في الأفلام الدرامية والهزلية مع الإبقاء على نمط جاد، ويستخدمها بعض الفنانين كأداة لإلقاء الضوء لدى جمهورهم على موضوعات مهمة و لتسليتهم أيضا؛ فقدم هذا العمل المليء بالأحداث الفوضوية التي قد نرى أنها بلا مبرر، ولكنه تعبير عن عبثية الحياة والأشخاص الذين نقابلهم بدون ترتيب مسبق، وكيف يمكن أن تنقلب حياة المرء عند أبسط منعطف.

المخرج عمر الزهيري
المخرج عمر الزهيري

إننا أمام رؤية مخرج حاول إلى حدا ما المحافظ على هارمونية الصورة النهائية لعمله. متنقلا بسلاسة بين الطرح الكوميدي والتشويق. مستخدما قدرا من السخرية بالعالم المحيط بالبطلة. مستعينا بأدوات سردية تعتمد على بساطة الطرح بدون تعقيد؛ رغم أنه أخفق أحيانا إلا أنه في النهاية كشف عن طبيعة أزدواجية بعض الشخصيات؛ في ظل تجاوز متقن لنمطية طرح القضية؛ والتخلص من المقارنة بين صورة الفقراء والأغنياء في الأعمال .

فنحن أما سياق غير معقد في التفاصيل اقتصاديًا واجتماعيًا. ولعب المكان دوره فلم يكن مجرد إطار أو خلفية للأحداث، بل معبرا عن طبائع الشخصيات التي تعيش فيه.

بالطبع الفيلم به أخطاء العمل الأول فهناك بعض الخلل في البناء الدرامي لشخصية الزوج؛ وعدم التفسير المنطقي لاختفائه ثم ظهوره؛ إلى جانب الربط بين فقر الأسرة ونظافة المكان والأشخاص؛ والمقارنة بين احتياجات أسرة بسيطة من طعام، وأسرة أخرى غنية مثلتها المرأة صاحبة الفيلا التي ذهبت الأم للعمل لديها؛ المشاهد في الفيلا كانت إلى حدا ما مفتعلة؛ وذكرني هذا بالمعالجة الذكية لإظهار الفرق بين الأسرة الغنية والفقيرة بفيلم طفيلي Parasite من كوريا الجنوبية و إخراج بونج جون؛ فبمجرد إشارة السيدة الغنية أن كل أفراد الأسرة الفقيرة لهم رائحة واحدة؛ كان كفيلا بالمقارنة.

ريش Feathers هو التجربة الإخراجية الأولى لفيلم طويل للمخرج عمر الزهيري. الذي كتب السيناريو مع أحمد عامر، وقام بالبطولة مجموعة من الأشخاص الذين لم يسبق لهم التمثيل من قبل. دميانا نصار، سامي بسيوني، فادي مينا فوزي، أبو سيفين نبيل ويسا.

عرض الفيلم لأول مرة في فرنسا أثناء فعاليات مهرجان كان السينمائي في دورته 74 وفاز بالجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد الدولي؛ وهو الفيلم المصري الأول الذي يفوز بالجائزة الكبرى في أسبوع نقاد مهرجان (كان).

كانت أول مشاركة للمخرج عمر الزهيري في مهرجان (كان). بفيلم (ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375) عام 2014.

 

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

 

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى