حنان أبو الضياء تكتب: أردوغان ممثل «الدقيقة الواحدة»
تركيا أردوغان ليست «فاطمة ولا» على مر الزمان .. لا يوجد فيه مساحة للرأى الآخر فحزب العدالة والتنمية يملك أكثر من 50 قناة تابعة له.. ولا صوت يعلو فوق صوت أردوغان الذى يملك عصا ديجول الاقتصادية، وأساليب حازم أبو إسماعيل الخطابية.. وسار على نخب الإخوان المسلمين التمكينية… يراه مؤيديه صلاح الدين القرن الواحد والعشرين.. ويلقبه معارضيه بممثل الدقيقة الواحدة… وهو مثل ثعلب الصحراء «مونتجمرى» يعرف أن النصر قد يكون فى الانسحاب فى الوقت المناسب».
ممثل «الدقيقة الواحدة»،معارضى أردوغان يصفونه بذلك في إشارة إلى موقف أردوغان في مؤتمر دافوس الاقتصادي عندما تصادم مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وترك المنصة لأنهم يرون أن أردوغان فعل هذا كممثل للفت الأنظار إليه، بينما يده هو نفسه ملطخة بدماء الآلاف من الأكراد ، إلى جانب أن رئيس اتحاد الشباب التركي إلكير يوجيل « يؤكد بالمستندات أن أردوغان شريك في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس»، مستشهداً بخطاب لأردوغان في مؤتمر حزب العدالة والتنمية في بلدة بايرامباشا عام 2006، حينما قال بصراحة من على المنبر «أنا رئيس مشارك في مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، ونحن ماضون في تنفيذه».
وأردوغان قام بسجن أكثر من 200 شخصية، 173 منهم هم جنرالات في الجيش التركي، وأردوغان فضل شركة إسرائيلية لتطهير الحدود مع سورية، و دعا الناتو لاجتياح شمال العراق بحجة الإرهاب الكردي، وتوجد في تركيا أكثر من 70 قناة تلفزيونية، 90% منها تقوم ببث تقارير وأخبار معارضة للقيادة السورية، وحزب العدالة والتنمية يملك أكثر من 50 قناة تابعة له.
وهناك من يؤكد أن الأمريكان لعبوا دورا فى وصوله إلى السلطة كما حدث مع الإخوان فى مصر وهذا ما أكدته صحيفة ايدينليك التركية عندما نشرت في عام 1996، مقالاً تحدثت فيه عن تهيأ ابراموفيتس السفير الأمريكي في أنقرة آنذاك لاستلام رجب طيب أردوغان رئاسة وزراء تركية، قبل 8 سنوات من حدوث ذلك، ومنذ ذلك الوقت بدأ الصعود السريع لأردوغان في الحياة السياسية.
وصحيفة الوطن التركية عام 2003، أعلنت عن خطة لتغيير كافة الأنظمة في الشرق الأوسط، وصحيفة راديكال التركية ، تحدثت عن الدور التركي في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونشرت صحيفة واشنطن بوست في 7 اغسطس 2003 ورقتين تتضمنان 9 بنود للاتفاق الذي تم بين بوش وأردوغان بخصوص مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ويقسم مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أعلنت عنه كوندوليزا رايس، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 24 دولة، تكون كل دولة بلون طائفي واحد، بحيث توجد عدة دول للسنة، ودول للشيعة، ودولة للأكراد، والمسيحيين.
وهناك من يؤكد أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة شابه الكثير من حالات التزوير وشراء الأصوات. وأردوغان الذى قام بتمثيلية الدقيقة الواحدة في مؤتمر دافوس وخدع جميع الدول العربية والإسلامية وظهر بمكانة البطل، رغم أن محافظ اسكيشيهير الأمني سجن فى عهده بتهمة انتمائه لمنظمة إرهابية لمجرد نشره كتاباً يفضح أردوغان والجيش التركي العضو في الناتو، ووضع القوات الأمريكية على الحدود التركية العراقية، فتحول حزب العمال الكردستاني من تنظيم كان له تواجد في 3 أو 4 ولايات، إلى منظمة دولية، وأصبحت هناك علاقات بين أمريكا وهذا الحزب، مما دفع الجيش التركي لإعادة النظر في علاقته مع الولايات المتحدة.
صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية ترى أن أردوغان وحزبه سيطروا على جميع المؤسسات العسكرية والقضائية والأكاديمية بل والإعلامية، وأن أحداث التقسيم لن تسقط أردوغان، لكنها ستمثل «خريف بالنسبة لإردوغان» كما حدث فى فرنسا مايو 1968 مع وجود أوجه تشابه بين السياسات لكل من ديجول وإردوغان.
ففي حالة فرنسا 1968، كان الاقتصاد في أفضل أحواله كما فى تركيا الآن، وهناك من يشير إلى أن أردوغان وجه سهامَ الغدرِ والخيانة إلى نجم الدين أربكان مع سبِقِ إلاصرارٍ والترصد، كما أنه عرف كيف يعتقل صحفيين أكثر مما في إيران والصين، وعرف كيف يمرّر قوانين تمسّ حقوق الإنسان، وعرف بشكل أساسي كيف يتعامل بإستخفاف مع كلّ من لا يتفق معه، حتى من داخل معسكره. وجعل من تركيا شرطيّ المنطقة للأميركيين.
وأردوغان يمقت الفيسبوك وتويتر وعنهما يقول: فورة الغضب سببها الشبكات الاجتماعية وما تنقله من أكاذيب ولأن لدينا هذا التهديد الذي يسمى تويتر وأن الشبكات الاجتماعية تشكل خطرا على المجتمع ويمكن توزيع الأكاذيب بسهولة عبرها.
والمجتمع التركي فى ظل سياسة أردوغان تجلت في زيادة الهوة بين الأغنياء الذين ازدادوا ثراء والفقراء الذين ازدادا فقرا وبؤسا. ففي عام 2011، الذي حقق خلاله الاقتصاد التركي نموا بلغ 8.5%، كان نصيب أغنى 20% من السكان يبلغ نصف إجمالي الدخل القومي بينما كان أفقر 20% يحصلون فقط على 6% من إجمالي هذا الدخل، ورغم النمو الاقتصادي الذي حققته البلاد خلال عقد من الزمان، تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن تركيا هي ثالثة أكثر دول العالم من حيث انعدام العدالة في توزيع الدخل – أي من حيث الظلم الاجتماعي.
ويمثل النظام الضريبي في تركيا نموذجا لانعدام العدالة حيث تبلغ نسبة الضرائب غير المباشرة التي يتحمل عبأها الأكبر العاملون بأجر والفقراء حوالي ثلثي إيرادات الدولة من الضرائب، بل ويتم التلاعب بنسبة هذا الضرائب للتمييز لصالح الأغنياء حيث تبلغ الضريبة العامة على المبيعات 18% بينما تنخفض نسبتها على الكافيار إلى 8% وعلى المجوهرات والأحجار الكريمة إلى صفر بالمئة. وخلال هذه الفترة من النمو الاقتصادي استمر معدل البطالة حوالي 9%، دون أن يعني النمو توفير فرص العمل للعاطلين والداخلين الجدد إلى سوق العمل، وذلك مع كل تلاعب الأرقام الرسمية بنسبة البطالة في تركيا حيث لا يتم احتساب الذين يئسوا من الحصول على عمل بين العاطلين، فيما تبلغ نسبة البطالة بين شباب الخريجين من الجامعات حوالي 30% ويبلغ الرقم الرسمي لمن يعيشون تحت خط الفقر في تركيا 16% من السكان.
وكالمعتاد فالمتظاهرين سواء كانوا ليبراليين أو يساريين ينتمي أغلبهم إلى النخبة الحضرية ــــ من المستغربين، والمثقفين، والعلمانيين. ومن ناحية أخرى، فإن أردوغان لا يزال يتمتع بشعبة كبيرة في تركيا الريفية، بين الأشخاص الأقل تعليماً والأكثر فقراً ومحافظة وتدينا .
والغريب أنه منذ سنوات كانت هناك أزمة تظهر الوجه الأخر للديكتاتور أردوغان الذى خرج مهددا بحجب دعم الدولة عن المسارح التركية بعدما شكت ابنته قائلة إن أحد الممثلين أهانها خلال عرض مسرحي، فيما قال مراقبون إن الواقعة تبدو أنها زلة لسان كافية للحكم بالموت على مرتكبها.
وصُعقت تركيا بحملة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي هو نفسه جرب التمثيل أيام الدراسة، على من سماهم «ممثلين سكارى متغطرسين» وعلى الوسط الفني عموما الذي قال إنه يتعامل مع المواطنين الاعتياديين بازدراء، حيث قال أردوغان إن المسارح لا يمكن أن تتلقى دعما ماليا من الحكومة ثم تنتقد اليد التي تطمعها، مضيفا أن المسارح «بدأت تهيننا وتهين جميع المحافظين وتنظر إلينا باستعلاء».
من جهتهم نزل الممثلون إلى الشوارع محتجين بعدما أعطيت لموظفى الحكومة مهمة الرقابة الفنية على مسارح اسطنبول في واقعة أخرى تتعلق بمسرحية قيل إنها «فاحشة» في وقت أضاف فيه أردوغان أنه «إذا كان الدعم مطلوبا فنحن الحكومة نستطيع أن ندعم المسرحيات التي نريدها»، كما أعلن عن خصخصة المسارح قائلا إنه ليس هناك مسرح تديره الدولة في أي بلد متطور تقريبا.
وحمل رئيس الوزراء التركي على «الغطرسة الاستبدادية» للمثقفين الذين يظنون أنهم خير العارفين. وتساءل مخاطبا المثقفين «بالله عليكم مَنْ تكونون؟ من أين تستمدون السلطة للتعبير عن رأيكم في كل قضية وتجادلون بأنكم تعرفون كل شيء؟ هل المسارح حكر عليكم في هذا البلد؟ هل الفنون حكر عليكم؟ إن هذه الأيام ولّت». وكانت ما يسميه البعض «حرب تركيا الثقافية» بدأت عندما غادرت ابنته سمية أردوغان المسرح خلال تقديم «العثماني الفتي» على مسرح الدولة في أنقرة.
ودارت أحداث المسرحية حول سلطان شاب إصلاحي يطيح به العسكر مع إشارات إيحائية إلى عائلة أردوغان وحزب العدالة والتنمية ونجاحهم في كسر قبضة الجيش على الحياة السياسية التركية وما حدث على وجه الدقة خلال مشهد لاحق عندما يزمجر العسكر الأفظاظ على الجمهور ما زال موضع خلاف، ولكن ابنة أردوغان تقول أن الممثل تولجا تونجر استهدفها تحديدا لأنها كانت محجبة وأنه راح يقلد طريقتها في مضغ اللبان ويستخدم حركات جارحة.
وكانت سمية أردوغان درست في الولايات المتحدة وبريطانيا لأن الحجاب كان ممنوعا في معاهد التعليم العالي التركية وقتذاك. وفي رسالة شديدة اللهجة إلى الممثل على الفيس بوك دعت سمية إلى التسامح الذي تمتعت به في بريطانيا والولايات المتحدة، كما نقلت صحيفة الجارديان عن سمية قولها في الرسالة «أنتَ كفنان يجب أن تكون أول من يتعامل باحترام مع الآخر المختلف…. وخير لك أن تعتاد على الحجاب فإن نصف الشعب التركي نساء وكثيرًا منهن يرتدين الحجاب».
وأضافت سمية «أنا لا أُريد أن أقضي حياتي في الصراع معك بل سأظل أحب الفن والمسرح وأواظب على حضور المسرح محجبة». ورفض تونجر الاعتذار عن أفعاله بعد تجميده واستدعائه أمام وزير الثقافة، قائلا إنها جزء من المسرحية ولكنه أعرب عن أسفه لشعور سمية أردوغان بالإساءة، قائلا إنه لم يكن يعرف من هي ولم يوجه إليها حركاته إلا لأنها كانت في الصف الأمامي وتمضغ «اللبان».
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية