
حلم “التوريث” الذي تحول إلى كابوس
سها صلاح
لم يقتصر حلم التوريث للقادة العرب على دول بعينها ولكن لم يكن حظ ابناء بعض قادة العرب وفيراً ففي الدول التي شهدت أحداثا وحروبا كانوا هدف الخصوم بالدرجة الأولى .
بدأ الأمر في العراق حين لاقى عدي وقصي نجلا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مصيرا لم يتوقعه أحد تمزقت جثتاهما قبل إعادة تجميعها ونقل صورتهما إلى العالم في رسالة هزت العراقيين والعرب الذين لم يتوقعوا أن يكون مصير مربي الأسود وأبناء أقسى القادة في تاريخ العراق بهذا الشكل.
وجاءت ثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة و حرقت عائلات العديد من الزعماء وبددت التوريث وقتلت المورث تماما كما حصل مع عائلة الزعيم الليبي معمر القذافي .
فسيف الإسلام القذافي الذي كانت تنتظره طرابلس زعيما، يلقى القبض عليه متخفيا بلباس الطوارق في الصحراء ويسقط من أكتاف الجماهير التي اعتلاها يوما إلى خلف القضبان حيث صدر بحقه حكم الإعدام.
ولم يكن مصير شقيقه الساعدي بأفضل منه ، أما شقيقهم المعتصم فقد تناقل الناشطون مقطع فيديو نسخة طبق الأصل عن مصير والده بالأسلوب ذاته بدأ بالسحل وانتهى بإطلاق الرصاص عليه حتى الموت.
لتكتمل مأساة العائلة مؤخراً حين تم خطف الشقيق الأخير هنيبعل بين سوريا ولبنان ليظهر وقد أوسعه الخاطفون ضربا قبل تسليمه إلى الأمن العام اللبناني.
وفي الجارة مصر لم يكن الوضع بهذا السوء، ربما لأن الرئيس الأسبق حسني مبارك لم يبالغ كما القذافي في مواجهة المتظاهرين وتنحّى في وقت مبكر إلا أن نجليه جمال وعلاء شاركاه التهم وقضبان السجن بعد أن كانا يشاركاه الحكم والسلطة ، جمال بصفته وريث الحزب والرئاسة وعلاء بحكم القاعدة شقيق الوريث.
أما فى سوريا فقد تعدد الروايات حول دور أنيسة مخلوف ، زوجة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ووالدة الرئيس بشار الأسد، في إدارة السلطة في سوريا ، إلا أنها أخفقت في إقناع زوجها حافظ ، بتوريث السلطة إلى نجلهما ماهر بدلا من بشار.
وبدأ دور أنيسة الفعلي في حياة حافظ الأسد وتثبيته في السلطة، فكانت تجتمع بزوجات أصدقائه الضباط خاصة زوجات محمد عمران وصلاح شديد ويوسف الزعيم ورجال الطبقة السياسية، وكانت تقدّم لزوجها تقييما عن شخصيات هؤلاء السيدات وأزواجهن.
وعندما كبر الأبناء وعلمت بإصابة زوجها بمرض السرطان، بدأت تولي نجلها باسل الاهتمام الأكبر لتأهيله لتسلّم دفة الحكم إذا ما حصل أي مكروه لوالده، وراحت ترسله إلى فروع المخابرات والاجتماع بالضباط، وطلبت من اللواء محمد ناصيف وبهجت سليمان وغازي كنعان وعبد الحليم خدام تأهيله سياسيا، لكن بعد مقتل باسل أصيبت عائلة الأسد بضربة قوية، وعاشت أنيسة حالة من الاكتئاب وكانت تمضي معظم أوقاتها يوميا أمام صورة ضخمة لباسل في القصر الجمهوري تبكيه، وعاشت حالة اضطراب داخلي، خصوصا أن أحدا من أبنائها الباقين لم يكن مؤهلا لتولي السلطة، وحالة زوجها الصحية في تراجع دائم.
عندما اجتازت مصيبة مقتل باسل بصعوبة، أشارت أنيسة على زوجها بتأهيل ماهر لوراثته لأنه الأكفأ لها، سيما وأن بشّار كان يتخصص بطب جراحة العيون في لندن لكن حافظ فضّل بشّار لأنه الأكبر وطلب منه العودة إلى سوريا سريعا، وقد ناصره في هذا الرأي ابنته بشرى، لأن علاقتها بماهر ليست على ما يرام، فهو نسخة طبق الأصل عن شقيقه باسل الذي كان يكن العداء لزوجها آصف شوكت، وكان ينظر إليه على أنه واحد من (بدو) طرطوس ومن أصول سنيّة، بينما لم يكن ماهر مكترثا للأمر لانشغاله بالمال والملذات وتفضيله أن يكون بشار في الواجهة بينما يكون هو الحاكم الفعلي على الأرض.
وبعد أخذ وردّ طلبت أنيسة من زوجها أن يؤهل الاثنين معا بشار وماهر ويترك للشعب السوري أن يختار أحدهما، لكن رأي حافظ وبشرى كان الغالب، ومنذ ذلك الوقت بدأ بشار يظهر إلى العلن وتكفّل محمد ناصيف وبهجت سليمان ومصطفى التاجر وعبد الحليم خدام بتأهيله سياسيا، وأرسله والده بجولة تعارفيه على كل دول الخليج العربي وفرنسا، لكن خلال زيارته الكويت ارتكب بشار خطأ، تمثل بدعوته الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للإفراج عن المعتقلين الكويتيين، فوبخه والده على هذا التصريح، لأنه تعرض إلى قضية شائكة ومعقدة خصوصا وأن زيارته كانت للتعارف فقط و الآن فإن مصير بشار الأسد على كف عفريت .
أما عن أحمد علي عبدالله صالحفقد بدأت المبادرات للمطالبة للحكم خليفة لوالده ، ومنها مبادرة “أحمد من أجل اليمن” التي أطلقها أحد رجالات السلطة، ويعتقد أن هدف هذه المبادرات هو جس نبض اليمنيين ومعرفة مدى تقبلهم للفكرة، وذلك رغم نفي الوالد أكثر من مرة سعيه لتوريث السلطة لنجله الأكبر.
وفي سياق تقديمه للخارج وخاصة الإقليم مثّل أحمد اليمن في فعاليات مختلفة وأوفد مبعوثا من أبيه إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من مرة، كما ارتبط بعلاقات جيدة مع نجل القذافي ومبارك.
من سيرة احمد يتضح ان إعداده تم بدقة فتم تقديمه أولا في الوسط السياسي كنائب برلماني ثم في القطاع العسكري وهذا هو الأهم لان المؤسسة العسكرية ظلت حتى الآن هي من تصنع الرؤساء ومنها يصعدون الى الحكم، ومن خلالها يتم نسج العلاقات وتقريب القيادات وتعيين الموالين في المناصب الحساسة، وأخيرا تم انشاء مؤسسة صالح لتهتم بالجانب الإنساني وتقدم عائلة صالح كناشطين اجتماعيين وللمصادفة تكاد تنطبق مهمة هذه المؤسسة بذات المهام التي تقدمها مؤسسة القذافي في ليبيا، وجمعية الرعاية المتكاملة التي أنشأتها سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري المخلوع مبارك والتي رأست الى جانبها جمعية الهلال الأحمر المصري.
وفي الجانب الاجتماعي مثلت جمعية صالح الرداء الإنساني الذي لبسه ابناء صالح وعلى راسهم احمد، وقدموا أنفسهم للمجتمع كنشطاء اجتماعيين مهتمين بمساعدة الناس والإحسان إليهم، ولن نعيب عليهم هذا فالميدان الاجتماعي يتسع للجميع.