
حسين حلمي يكتب: رؤية كرومر للصحافة وصمام الأمان
كرومر، المعتمد البريطاني في مصر والحاكم الفعلي لها، وصل إلى البلاد في عام 1883 بعد الثورة العرابية مباشرة. والمفارقة أنه تبنى نهجًا مختلفًا عمّا فعلته الثورة نفسها.
ورغم أن حكومة الثورة التي تشكلت برئاسة محمود سامي البارودي، وشاركه فيها عرابي كوزير للحربية، كانت تتجه إلى تقييد حرية الصحافة عبر قانون المطبوعات، إلا أن ذلك كان يعكس إدراكها لقوة الإعلام.
فقد رأت الحكومة أن الصحافة سلاح ذو تأثير كبير رغم أنها لم تكن صاحبة الفضل في ابتكاره، واستفادت منه لصالحها. وكان عرابي يصف الصحف المؤيدة لهم بـ«لسان الأمة»، بينما أطلق على منزله اسم «بيت الأمة»، مدركًا أهمية الرأي العام المتشكل من خلال الصحافة كقوة لا يمكن الاستخفاف بها. ولم يكن غريبًا أن تتحول الإشاعات إلى حقائق مُسلّم بها بمجرد نشرها في مقالات أو أخبار.
لكن كرومر الأجنبي تبنى وجهة نظر مختلفة تجاه حرية التعبير. فقد اعتقد أن حرية الصحافة والخطابة هما وسيلتان ضروريتان للتنفيس عن المشاعر العامة، لتجنب قيام هذه المشاعر باتخاذ أشكال أخرى أكثر خطورة.
وهذا يفسر ميله للسماح بالتعبير عن الرأي شريطة أن يبقى ذلك ضمن حدود معينة؛ حيث اعتُبر انتقاد الحاكم الإنجليزي أو أي حاكم خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى لو كان الانتقاد بنية حسنة.
بالنسبة لكرومر، حرية الصحافة كانت مقبولة طالما ركزت على القضايا الثانوية والمسائل الشخصية، لكن تجاوز ذلك إلى انتقاد السياسات أو الحكام كان غير مقبول تمامًا.
ربما لا يختلف هذا الفكر عن النظرة السائدة لحرية الصحافة في كثير من دول العالم اليوم، حيث تُمنح الحرية جزئيًا أو مقننة وفقًا لسياسات الحاكم ومصالحه.