نون والقلم

حسين حلمي يكتب: المتنبي.. شاعر العرب الحكيم

يعد المتنبي من أبرز شعراء العرب وأكثرهم تأثيراً لما امتاز به شعره من حكمة وفلسفة عميقة. لقد كان قريبًا من حياة الناس، إذ عُرف بصدقه إذا غضب، وبنقده الجريء إذا تزلف. ورغم ذلك، ظل شعره جميلًا ومؤثرًا، ومن أروع أبياته التي خلدها الأيام قوله:

ومن نَكَدِ الدُنيا على الحُرِّ أَن يَرَى

عَدُوّاً لهُ ما من صَداقتِهِ بُدُّ

وانكدُ منهُ صاحبٌ لَستَ عالماً

بهِ هل هُوَ الخِلُّ الوفيُّ أَمِ الضِدُّ

وفي هذا العصر، نعيش في مجتمعات تتداخل فيها القيم، ليجد الإنسان الحُر نفسه في حيرة وهو يشهد سيطرة الولاءات على حساب الكفاءات. بلغ الفساد حدًا أصاب الأمة بالضعف، وجعلها في مؤخرة الركب بين الشعوب. بات الجميع مُلزَمًا بقبول صداقة أعدائهم اتقاءً للخطر، بل وحتى التقرب منهم خوفاً من الأذى.

أما عن تلك الأبيات، فلها قصة مرتبطة بالشاعر المتنبي نفسه. فقد طلب منه أحد الوزراء في بلاط الأمير أن يكتب شعرًا في مديحه، رغم أن المتنبي كان لا يمدح سوى الأمراء فقط. وكان الوزير مشهورًا بقربه من الأمير، لكن المتنبي لم يكن يخفي شعوره إذا غضب أو اضطر إلى إظهار المجاملة. فكتب تلك الأبيات، موضحاً رفضه الداخلي للثناء على من يكرهه.

وإن اضطر لذكره، فعل ذلك فقط ليبدو قوله محموداً عند الأمير. وأضاف قائلاً في سياق آخر:

ما كنت أحسبني أبقى في زمن

يسئ بي فيه كلب هو محمود.

بهذه الطريقة، عبّر المتنبي عما يجول في خاطره بصدق قلمه وجرأته المعتادة.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى