نون والقلم

حسين حلمي يكتب: الحضارة وقيم الإنسانية

هناك كلمات مأثورة تُلخص حالة الإنسان بين العقل والشهوة، تقول إن الله خلق الملائكة بعقل دون شهوة، وخلق الحيوانات بشهوة دون عقل، وخلق الإنسان جامعًا بين العقل والشهوة، فمن تغلب عنده العقل على الشهوة ارتقى وشارك الملائكة مقامهم، ومن طغت شهوته على عقله انحدر وأشبه الحيوانات.

سألوا حكيمًا ذات مرة: لماذا لا تنتقم ممن يسيئون إليك؟ فأجابهم بسؤال استنكاري: إذا رفسك حمار، هل ترفسه؟. هذا التباين يُبرز الاختلاف بين الإنسان المتحضر الذي يتحلى بالإنسانية والإنسان الذي يفتقر لهذا التحضر.

الشخص المتحضر يشعر بآلام الآخرين، ويتألم لما يعانونه، أما من يفرح بمعاناة غيره ولا يكترث بمآسي الإنسانية، فهو بعيد كل البعد عن روح التحضر.

الحضارة ليست سلعة يمكن بيعها أو شراؤها، حتى لو امتلكت كل ثروات العالم. هي ميراث ثقافي وإنساني يترك بصمة على أهلها، حتى وإن تفوقت عليهم أمم أخرى بحضارتها.

كما أنها ليست مجرد مظاهر مادية، فهي تشمل الثقافة، الفنون، والنظام الاجتماعي، هذه الجوانب تربي الإنسان في بيئة حضارية تقدّر الجمال وتحترم آلام البشر.

في القرى المصرية القديمة كان هناك حس إنساني راقٍ يظهر في التقاليد؛ حيث لا يُقام حفل زفاف إذا كان في القرية حالة وفاة. وبعد فترة من الحزن كان أصحاب الفرح يزورون أسرة المتوفي لطلب الإذن بإقامة الزفاف. تلك العادات كانت شائعة قبل أن تجتاحنا مظاهر البداوة والسلوكيات القبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى