بريطانيا تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبى
شهر واحد يفصل بريطانيا عن موعد الاستفتاء “التاريخى” الذى تنتظره البلاد لتحديد ما إذا كانت ستستمر عضويتها داخل الاتحاد الأوروبى أم ستغادر لتحدث سابقة من نوعها فى تاريخ القارة الأوروبية.
ومع بدء العد التنازلى لهذا الاستفتاء المصيرى، تظهر استطلاعات الرأى تقاربا شديدا بين معسكرى المؤيدين والمعارضين للبقاء داخل الاتحاد الأوروبى مع تقدم ملحوظ مؤخرا لمعسكر المؤيدين، ويرجع البعض هذا التقدم النسبى إلى تزايد حملات التخويف وموجة التحذيرات المهولة التى يطلقها مناصرو البقاء حول مساوىء مغادرة الاتحاد الأوروبى على بريطانيا والتداعيات الخطيرة التى تنتظرها فى حالة وقوع ذلك، ومن أبرز هؤلاء رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون الذى يعتبر من أبرز المؤيدين لمعسكر الاستمرار داخل الكتلة الأوروبية وذلك بعد نجاحه فى التوصل إلى حزمة من الإصلاحات مع الأعضاء الأوروبيين أوائل العام الجارى. وفى هذا السياق يكشف تقرير أعدته مؤخرا وزارة الخزانة البريطانية عن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سيسبب ركودا لمدة عام ويخفض نمو الاقتصاد بنسبة 3.6%، كما ذكر التقرير أنه سيكون هناك ارتفاع حاد فى معدلات التضخم وزيادة فى أسعار السكن بنسبة 10%، الأمر الذى أثار انتقادات حادة من قبل معسكر المعارضين للاستمرار داخل الاتحاد.
معتبرين أن التقرير لم يكن موضوعيا وأنه تجاهل جميع”الإيجابيات” التى ستعود على بريطانيا من مغادرة الاتحاد ليشكل وسيلة ضغط على آراء المواطنين فى بريطانيا.
ويعتبر المراقبون أن هذا الاستفتاء يعد بمثابة استفتاء على مصير الاتحاد الأوروبى، فهو لم يعد شأنا داخليا لبريطانيا، بل بات معضلة أوروبية دولية تهدد بوقوع انقلاب فى المشهد الدولى العام. وتظهر العديد من استطلاعات الرأى التى أجريت مؤخرا أن نحو نصف الناخبين فى 8 دول كبيرة بالاتحاد الأوروبى يريدون أن يتمكنوا من التصويت على ما إذا كانت بلادهم ستستمر فى الاتحاد الأوروبى مثلما سيفعل البريطانيون فى استفتاء الشهر المقبل، كما تظهر نتائج تلك الاستطلاعات أن الثلث سيختارون الانسحاب من الاتحاد الأوروبى إذا مُنحوا هذه الفرصة وأن حجم التصويت المحتمل بالانسحاب تراوح بين نسب مرتفعة بلغت 48 و41% فى إيطاليا وفرنسا، ونسب منخفضة بلغت 22 و26% فى بولندا وإسبانيا.
ويرى المراقبون أن البريطانيين الذين يصوتون فى استفتاء يونيو لا يصوتون فقط على خروج المملكة من الاتحاد، وإنما على مصير التكتل الأوروبى برمته، فبريطانيا واحدة من أهم القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية فى الاتحاد الأوروبى، فضلا عن كونها عضوا فى مجلس الأمن الدولى ودولة نووية كعضو فى حلف شمال الأطلنطى وبالتالى فإن خروج بلد مهم كهذا من التكتل الأوروبى من شأنه إعطاء انطباع سلبى عن أوروبا وقد يؤدى إلى تراجع مكانة الاتحاد على الساحة العالمية ويجعل منه قوة من الدرجة الثانية، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس حين قال أن خروج بريطانيا سيؤثر على “رؤية العالم لأوروبا”.
ويرجح هذا الفريق من المراقبين أنه فى حالة تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد فإن ذلك من شأنه تشجيع دول أخرى على إجراء استفتاءات جديدة لمغادرة الكتلة الأوروبية خاصة فى ظل الأزمات المتفاقمة التى تواجهها أوروبا حاليا وتراجع شعبية مشروع الوحدة الأوروبية وانتشار البطالة فى العديد من الدول الأعضاء وتزايد استياء المواطنين من سياسات الاتحاد التى أصبحت أكثر تدخلا وتقييدا لحياة الأوروبيين، أو بمعنى آخر أصبحت تشكل عبئا كبيرا عليهم، وفى حالة وقوع ذلك فإن هذه المغادرات الجديدة ستتسبب فى انهيار هذا التكتل الأوروبى مما قد يخلق خللا كبيرا فى ميزان القوى العالمية.
وفى ضوء ما سبق يبقى رهان الاستفتاء غير محسوم فى المرحلة الراهنة، غير أن المؤكد فى هذا المشهد أن بريطانيا مقبلة الشهر القادم على مرحلة فارقة فى تاريخها قد تشهد خلالها تحولات جذرية تغير مسار القارة الأوروبية بأكملها.